نداء «الاستغاثة» الذي أطلقه والي شمال دارفور محمد عثمان كبر وتأكيده على عدم مغادرته للخرطوم قبل أن يجد استجابة لطلبه ببسط الحكومة المركزية لسيطرتها العسكرية والامنية على منطقة جبل عامر ووضع محددات وموجهات صارمة لممارسة التعدين والتنقيب بالجبل، يضع العديد من التساؤلات على طاولة الفوضى التي تحيط بالمنطقة خاصة بعد المواجهات الدامية التي وقعت بين قبيلتي بني حسين والرزيقات الأبالة بجبل عامر، والتي مازالت تلقي بظلالها على الاقليم من حالات سلب ونهب في منطقة السريف، ووقوع مواجهات مسلحة ادت الى مصرع العشرات، وقد وقعت تلك المواجهات إثر نشوب خلاف بين احد المؤجرين للارض الغنية بالذهب من البني حسين في جبل عامر، واحد المستأجرين من المحاميد الأبالة «من عرب دارفور أيضاً»، وتطور هذا الخلاف الى ان احدث قتلاً، وهو ما كان فاتحة المأساة بين الطرفين. ويأتي النداء الأخير بعد مطالبات عديدة للسلطات الامنية بالتدخل بقوة لبسط هيبة الدولة حتى لا تتجدد الاشتباكات المسلحة التي وقعت في المنطقة خلال الشهرين الماضيين وراح ضحيتها الكثيرون، وأدت لنزوح الآلاف وفرارهم الى الجنينة والتمترس بمكاتب القنصلية التشادية التي قامت بإيوائهم ومن ثم مغادرتها. وظلت الصراعات القبلية تشكل تهديداً أمنياً ارق الحكومات المتوالية وأرهق ميزانياتها المادية حتى بات اقتصادها على المحك، وأزم الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ولم تشفع الاوضاع السياسية والاقتصادية الدقيقة التي تمر بها الدولة لتنشط بؤر للنزاعات القبلية على مناطق حدودية متفرقة وقبائل من دماء واحدة وتحت سقف وطن واحد. والناظر الى حلبة الصراعات والنزاعات الطويل يجد ان الصراع على الموارد اخذ النصيب الاكبر في شكل النزاعات القبلية، مما ادى الى تدهور الكثير من القطاعات الاقتصادية الحيوية الزراعية والحيوانية منها، ويرى بعض الخبراء أن تفشي هذه الصراعات نتج عن استغلال بعض المنظمات الغربية لضعف الوعي والادراك السياسي للمواطنين لخدمة اجندتها الخارجية، بينما يرى آخرون ان الانتشار المخيف للاسلحة في ايدي القبائل احد اهم اسباب تأجيج الصراع. حديث كبر جعل المختص في الشأن الدارفوري الاستاذ عبد الله آدم خاطر يؤكد خشيته من أن تكون هذه الخطوة قفزة في الظلام، وان معالجة القضية لن تتم الا بمساعدة الاطراف الموجودة في المنطقة وسعي السلطة الولائية في المنطقة مع كل الاطراف لنزع السلاح وتحويل الوضع في جبل عامر الى حالة استثمارية بدخول كل الجوانب لاتاحة الفرص للحل بالتراضي بين الاطراف .. واستدرك بقوله ان الجهد الذي بذلته ولاية شمال دارفور جهد مقدر وله ثقله، والقضية لن تحل بالعنف، وهي بحاجة لعقلية تتفهم طبيعة العلاقات بالمنطقة وكيفية التطور الاستثماري فيها بمساعدة الجميع محلياً وولائياً وقومياً بفتح نافذة جديدة بالتدخل القومي من أجل تحسين بيئة الاستثمار القومية. ولعنة البترول لم تزل بعد انفصال الجنوب عن السودان، بل امتدت لتصيب بفيروسها اصحاب البيت الواحد، فالمشكلة بين قبيلتي سرور وهيبان عاودت الظهور على السطح عقب اكتشاف البترول في المنطقة، وتجدد نزاع آخر حول الارض التي اصبحت غنية بالبترول بعد ان ادت عمليات التنقيب الى تضييق المساحات في مناطق الرعي، فوقع النزاع بين المزارعين والرعاة، وبين اولاد هيبان وسرور حول ملكية الارض نفسها ومنفعتها التي لم تحسمها القوانين السودانية تماماً ومن قبلها الدستور، ويتخوف بعض المراقبين من أن تظل الارض نفسها سبباً رئيساً لكثير من النزاعات والحروب لكثير من مناطق السودان لاسيما أهل جنوب كردفان. وهناك مضامين عديدة غلفت فحوى الرسالة التي أطلقها كبر على الهواء الطلق، أحدها يصب في الكرت الضغط الذي رفعه على الحكومة، والآخر يتجه نحو الضغوط الخارجية التي لازمت النزاعات الأخيرة بالمنطقة بتدخل المنظمات الدولية وسعيها لتدويل القضية، فهل ستتم إجابة المستغيث؟؟