حوار: أحمد التاي فتحية موسى تصوير: متوكل البجاوي قال وزير الإعلام السابق رئيس حزب الأمة الوطني المهندس علي عبد الله مسار إن ما حدث في أبوكرشولا من تصفيات عرقية وذبح للمواطنين العزَّل الهدف منه استئصال الهُويَّة العربيَّة الإسلاميَّة، وأضاف في حوار أجرته معه «الإنتباهة»: لا شك أن هجوم الجبهة الثورية يأتي في إطار المخطَّط الغربي الصهيوني الذي يسعى إلى تمزيق السودان. وحول محور أزمة أبيي قال إن أزمة أبيي من صنيع الحكومة وهي من ثغرات نيفاشا، وكذلك جنوب كردفان والنيل الأزرق، مشيرًا إلى أن المفاوض الشمالي أخفق وارتكب خطأً فادحًا بحق تلك المناطق الثلاث وأبيي واحدة منها، ونيفاشا هي التي قادت السودان إلى الوقوع في تلك الهاوية والمشكلات التي نحن بصددها الآن، وشنَّ هجومًا عنيفًا على الحكومة، مشيرًا إلى مَن حامت حولهم شبهات الفساد وهرموا، ومن كرههم الشارع السوداني، إلا أنه عاد وقال إن الحكومة ليس لها بديل الآن، ودعا الرئيس البشير إلى إجراء عمليات جراحية للإصلاح، كما تناول الحوار جملة من قضايا الراهن السياسي فإلى نصه الكامل: من أي زاوية قرأت فظائع أحداث أبوكرشولا وما جرى من تصفيات؟ الفظائع التي ارتُكبت بحق المدنيين بأبوكرشولا حتمًا تنمّ عن تصرُّف همجي بربري يتنافى مع الخلق السوداني بكل المقاييس، والواقع يشير إلى أنَّ الحرب في أبو كرشولا أخذت منحى آخر وأسلوبًا جديدًا لم يشهده السودان من قبل وحتى في الحروب القبليَّة لم نر ذلك، وحرب دارفور خلال الأعوام العشرة الماضية لم تتم فيها تصفيات عرقية واثنية ومجازر بشرية وإبادة جماعية واغتصابات وزواج قسري بتلك الفظاعة مثلما حدث في أبوكرشولا، فالجبهة الثوريَّة انتهجت نهجًا جديدًا في الحرب ضد الدولة يتنافى مع كل الأعراف السودانية، ونقل الحرب لأول مرة في تاريخها إلى العمق السوداني بتلك الممارسات التي حدثت في أبوكرشولا، ولا بد للمجتمع الدولي ومجلس الأمن إن كانت هناك عدالة دولية أن يقوم بفرض عقوبات رادعة في مواجهة ومحاسبة مرتكبي تلك الفظائع والانتهاكات، ولا شك أن هجوم الجبهة الثورية يأتي في إطار المخطَّط الغربي الصهيوني الذي يسعى إلى تمزيق السودان. في رأيك لماذا الهجوم في هذا التوقيت وعلى هذه المنطقة بالذات؟ لم تمضِ سوى ساعات محدودة على انهيار مفاوضات الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا حتى شنَّت الأخيرة والمجموعات المتحالفة معها هذا الهجوم الذي هو بمثابة المسمار في نعش أي خطوة تفاوضية جديدة على الأقل في الوقت الراهن وخاصَّة ما يسمى «قطاع الشمال» الذي لا يحترم المواثيق وفي تقديري، هي أيضًا خطوة تأتي في إطار مشروع السودان الجديد الذي من أبرز أهدافه استمرار الاضطرابات في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وأبيي وعدم الاستقرار على نطاق واسع في جميع أنحاء السودان والتي أدَّت بدورها إلى تداعيات وخيمة ساهمت في تدهور الأوضاع والوصول بالسودان إلى حافَّة الهاوية. هل تعتقد أنّ ما حدث بأبوكرشولا له علاقة باتجاهات الصراع الآيدولوجي في السودان؟ قطعًا إنها تستهدف استئصال الهُوية العربية والإسلامية وإسرائيل والغرب والمخطَّط الذي يحيكانه للقضاء على العرب والمسلمين وخاصة أن بعض حاملي السلاح متحالفون مع المروجين لهذا المشروع وأغلبهم ينتمون للثقافات الإفريقية المجاورة التي عانت من القهر والتذويب. كما أن البعض الآخر يعتقد بأن تلك العناصر ترغب في الانتقام من العرب والمسلمين ولذلك يرفضون تأييدها ومناصرتها مع إدراكهم المسبق عدم سلامة مثل تلك الأفكار. مشروع السودان الجديد ليس سوى تكتيك ابتكره قرنق ليفرض رؤية ومصالح أبناء جلدته وليس حقوق كل السودانيين كما كان يدَّعي، وقد أدى انفصال جنوب السودان على سبيل المثال إلى تدعيم مثل هذه الأفكار خاصة وسط بعض أبناء الحركة الشعبية وأبناء النوبة بالحركة الشعبيَّة أيضًا وإن كان بعض تلاميذ قرنق يصفون الذين يحملون مثل هذه الأفكار بأنهم موالون للنظام. فجوهر الرؤية هو الإدارة العادلة للتنوع واحترام هُويَّات وثقافات كل المجموعات القومية. وبالرغم من أن السودان الشمالي هو بؤرة مناهضة رؤية «السودان الجديد» والتي لا يمكن تطبيقها بسبب التنوع والتبايُن العرقي والاثني والثقافي والديني ولذلك، فإن هذه الرؤية عقيدة أو أيديولوجية للحركة الشعبية. بالمعطيات آنفة الذكر نجد أن هناك حديثًا طاغيًا عن هيكلة الدولة السودانية ومشروع السودان الجديد كما أشار لذلك علي عثمان؟ قطعاً هذه اتجاهات وأفكار موجودة ولتتخلص الدولة من ذلك تحتاج إلى مجهود كبير جدًا وهذا المشروع للأسف به أشياء أخرى، فهو يضيف لمشروع السودان العلمانى الجديد الناقمين من حكومة الإنقاذ بمن فيهم المفصولون للصالح العام وهلم جرا... لا يميز أحدًا ويضيف إلى رصيده الصراعات الداخلية في السودان الشمالي وأيضًا علاقاته بالعالم الخارجي وكذلك ما حدث من فتح جبهات عديدة هنا وهناك وفي شتى الاتجاهات لكن الجيش السوداني الذي صمد أمام كل ذلك يتمتع بدعم كبير من المواطن السوداني ومن المؤسسات الأخرى المساعدة، وأيضًا النخوة السودانية، لذلك نجده يقاتل في أي ميدان ومن أجل القتال في تلك الميادين ويحمي هذا الوطن بالصورة الصحيحة، بالمقابل يحتاج إلى كثير من المعالجات. نجد البعض يتحدث عن ضرورة الخروج من ذلك المأزق من خلال ذهاب المؤتمر الوطني وتشكيل حكومة قومية... بم ترد؟ الحكومة في الأساس منتخبة من قبل الشعب السوداني والبرلمان أيضًا الرئيس منتخب وله كل الصلاحيات من خلال انتخابه، والحديث عن ذهاب الحكومة أمر غير وارد. لكن يجب على الحكومة التفكير في أشياء أخرى بديلة وتغيير سياساتها بحيث تتم مشاركة الجميع في الانتخابات القادمة الحل ليس في الحكومة القومية وإنما الاقتناع بأن القضية القادمة تؤثر عليها وأنا مثلاً فهمت القضية جيدًا ولا أحتاج إلى وقف الحكومة، وعلى سبيل مثال نطاقي الشخصي اليوم أنا خارج نطاق الوزارة لكن واجبي كمواطن الوقوف مع الحكومة ضد الحرب على الوطن والحكومة أيضًا لديها أخطاء يجب أن أحاسبها كبرلماني وفي اعتقادي الحكومة وبسوءاتها وبمعرفتي بها وبالآخرين وما ارتكبته الجبهة الثورية لا يوجد لها بديل. والحديث عن أن الحل في الحكومة القومية هذا حل مجموعة النُخب وليس حل الشعب الذي يُريد من الحكومة الإصلاح من نفسها وتشرك معها الآخرين وتغيّر من الشخوص الموجودين لأن بصراحة هناك «أشخاص شاخو وقدمو» وهناك أناس فتروا وفيهم من مرض وأيضًا هناك أناس عطاؤهم قل وهناك من تحوم حولهم الشبهات واتُّهموا بالفساد وهناك من كرههم الشارع العام» لذلك نجد في هذه الحكومة الشخص الوحيد الذي يُجمع عليه الشعب السوداني هو الرئيس البشير ولا يوجد أي خلاف من أي شخص على شخصيته باعتباره «ود بلد» ورجل حبوب وله من الصفات العادية ما يؤهله لمحبة الشعب السوداني لكن الشعب عنده رأي في بقية كل الحكومة وكل الأحزاب السياسية الأخرى بما فيها أحزابنا، لذلك الشعب السوداني يستطيع أن يُقيم ويقول هذه الحكومة مع أنها «سيئة لكن في نفس الوقت أفضل من الآخرين» ومع ذلك لا بد أن يحدث عليها تعديل وأن تأتي بشخصيات عندها قيمة ولا بد من مُحاسبة المُقصِّرين ولا بد من «كذا وكذا» ولا بد من الكثير من المعالجات، ولو تم ذلك حتمًا سينقلنا إلى مربع جديد وعلى الرئيس البشير أن يعمل جراحات إصلاحية قوية دون تردد في هذه الدولة لأنه الشخص الوحيد المُجمع والمتفق عليه من كل السودانيين. وهناك نموذج الرئيس نميري ما كان يتردد ابدًا في تطبيق أي قرار، الرئيس البشير فيه صفة الخلق السوداني السهل والمرن لذلك نجده في كثير من الأحيان يكون لديه الوفاء لأشخاص وأيضًا بُعد نظر في بعض الأشياء وهذا ما لا يُجدي ولو استمر هذا الحال لضاع السودان حتمًا. برأيك لماذا صمت المجتمع الدولي حيال الفظائع التي حدثت من اغتصاب وقتل بأبوكرشولا بالمقابل ما لاقاه مقتل «كوال دينق» وتجاهل مقتل «22» من المسيرية؟ لا نتوقع من المجتمع الدولي الوقوف معنا لأن بعض القوى الفاعلة فيه متآمرة ضدنا، فماذا نتوقع منهم إذاً وهم يصمون آذانهم تجاه القضايا التي لا تخدم مصالحهم؟! كما نجد مُجمل المشكلات التي تعاقبت على السودان من صنيع المجتمع الدولي، فقتل «22» من أبناء المسيرية لا يعني لهم شيئًا البتة، ولأن «كوال دينق » من الدينكا وثمة مصالح مشتركة تربطهم لا بد من الإدانة والشجب وتلميح الاتهامات على المسيرية، والمجتمع الدولي يكيل بمكيالين، أيضًا كان إحدى الأذرع التي ظلت تمارس الضغوط على السودان لقبول التفاوض مع قطاع الشمال وتمرير الأجندة الخارجية وتُصنف الأممالمتحدة ضمن الأذرع الأمريكية ومعلومة ما هي نوايا أمريكا ضد السودان. هل تعتقد أن مقتل ناظر دينكا نوك سيعود بأبيي إلى المربع الأول؟ لا شك أن السلطان «كوال دينق» له ثقله الاجتماعي والسياسي كان رجلاً شجاعاً لا يخاف أحدًا في رأيي ولا يكذب، وكان متعاوناً مع كل الحكومات التي تعاقبت على السودان وحكومة جنوب السودان من أجل العدالة والسلام، وزاد على ذلك رجل سلام ودوره الرسالي تجاه الوطن وحرصه المستمر على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار بالمنطقة وكانت له محاولات حثيثة في هذا الصدد مؤكدًا ضرورة الاستمرار في مساعي تحقيق التعايش السلمي بين المسيرية ودينكا نقوك، إن «كوال دينق» لا يمثل فقداً لأبناء دينكا نقوك وحدهم بل للسودان كله حيث قضى الفقيد جل وقته من أجل هموم وقضية الوطن ونجده من أبرز الناشطين في العمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتعايش السلمي بين الدينكا والمسيرية. ومهما يكن من أمرٍ فإنّ مقتل سلطان دينكا نقوك سيفتح الباب على مصراعيه أمام كل السيناريوهات في منطقة أبيي التي شهدت في الآونة الأخيرة توتراً حذراً وتحتاج لقدر فوق المُعدّل من الحكمة لنزع فتيل الأزمة. فالحادث بغض النظر عن حيثياته وما قد يفرزه من نتائج يجب ألاّ يكون عاصفاً لجهود التقارب وعلاقات التعاون بين البلدين التي بدأت في الرجوع إلى طبيعتها بعد أن شهدت توترًا ملحوظًا طيلة الفترة الماضية لكن تظل أبيي القنبلة الموقوتة حتمًا ولا بد لأن أزمة أبيي في تقديري من صنيع الحكومة وهي من ثغرات نيفاشا، وكذلك جنوب كردفان والنيل الأزرق، فالمفاوض الشمالي أخفق وارتكب خطأ فادحًا بحق تلك المناطق، وأبيي واحدة منها، ونيفاشا هي التي قادت السودان إلى الوقوع في تلك الهاوية والمشكلات التي نحن بصددها الآن.