قصة واقعية تكتبها في حلقات فوزية حسين جلست يلفني الخجل والارتباك.. فبادرني القنصل: وهو يشير ناحية الغرفة المقابلة التي جلست فيها منى.. جارتك.. هذه الشابة المسكينة، يبدو أنها تعاني من بعض المشكلات النفسية.. (ولم أستغرب!).. ثم تابع وهو يومئ برأسه ناحية أحد الرجال، وجدها أخونا عبد الله جزاه الله خيرًا، هائمة في أحد الشوارع، كانت تحمل وليدها الصغير وتسأل عن السفارة السودانية، ومشكورًا قام بتوصيلها إلى السفارة، والتقيناها.. هنا تناول الأخ عبد الله أطراف الحديث وقال فيما هو يعتدل في جلسته: إنني أعمل بأحد الأسواق التجارية في نهاية هذا الحي، وقد فوجئت بهذه الأخت تدخل المحل وتتوجه بالحديث إلى الرجل الذي يعمل معي.. لفتني منظرها، فهي سودانية، ولكنها كانت ترتدي الثوب السوداني بطريقة مهملة، وكذلك لاحظت أن الطفل الذي تحمله، كان يبدو عليه الإهمال والإعياء والجوع، كان يصرخ وهي تحمله من جانب إلى جانب محاوِلة إسكاته، حقيقة أثارني مظهرها.. فتوجهت إليها وسألتها، من أين هي آتية؟ وأين تسكن؟.. فأجابتني: لا.. لا أعرف، سألتها إلى أين أنتِ ذاهبة؟ فتمتمت لي بكلمات سريعة وغير مفهومة وكانت تشير إلى المساكن التي بجوارنا، على حسب علمي أن هذه المساكن فارغة، وبعضها يسكنه عزاب، ولا توجد أي أسرة تسكن في هذه المنطقة من الحي.. وقد كان ساعتها يقف إلى جواري أحد الإخوان العرب، فأكد لي أنها كانت تسأل عن السفارة السودانية، فقرَّرت جديًا أن أسلمها إلى السفارة، خصوصًا أنني قد لاحظت التوهان الذي يعتريها، وعدم التركيز الذي يشوب كلامها.. في هذه الأثناء وبينما كان الأخ عبد الله مسترسلاً في سرده، دخلت علينا (منى) فجأة.. وأخذت تخاطب القنصل قائلة: هل وجدته؟ أنا لا أريده، إنه يضربني، يأتي كل ليلة برجال ونساء ليضربوني، طلقني منه، كانت منفعلة تتلاحق أنفاسها وعيونها كالدم، وكان القنصل ينظر إليها بحنان وتأثر بالغين، وكذلك كل الموجودين.. وبهت أنا في مكاني.. فأنا وإن كنت قد لاحظت بعض التصرفات الغريبة على جارتي منى، إلا أنني لم أرَها يومًا بهذه الصورة المخيفة من الهيجان ولم أسمع هذا الصوت الهادر المتوعد الذي خرج منها الآن يومًا!.. قام القنصل من مقعده وأمسك بها بحنان وقال لها: لا يا ابنتي.. لن يضربك بعد الآن وأنا موجود، لن يضربك مرة أخرى وإن فعلها فسوف أقوم بسجنه، ثم نظر إليّ وقال: أرجوك خذيها واعدي لها بعض الطعام ودعيها ترتاح، ثم أخذ يردِّد.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. والله حرام، شابة صغيرة وجميلة في عمر الزهور.. كنت أسمع صوت السفير يردد تلك العبارات المتأثرة، بينما كنت قد أدخلت منى إلى غرفة الضيوف.. جلست بجوارها قليلاً أهدئ من روعها وانفعالها، ثم تركتها، دخلت المطبخ مبهوتة، وحزينة على ما رأيت، مسحت دمعة غالبتني، بلعت عبرتي ورحت أعد لها الطعام كما طلب مني سعادة القنصل.