لعلي أبالغ إذا قلت سأبين وأفصح في الكتابة مثلما فعل أساتذتنا «الكر نكى» و«عادل الباز» في حق قنديل الحركة الإسلامية الراحل أحمد عثمان مكي لأن ماخطه يراعهما اليومين الماضيين يحسب أنفس ما كُتب فى حق الرجل منذ رحيله قبل تسع سنوات بالولايات المتحدةالأمريكية وهو وفاء لود المكي من رجال عاصروه وعايشوه.. سأحاول أن أنسج على منوال «الأستاذين» لجهة أن ود المكي سيرة جديرة بالاستدعاء والتذكر في مسيرة العمل الإسلامي ولجيل من الشباب يتطلع إلى العودة بالمجتمع الإسلامي إلى تأريخيه التليد.. ود المكي من جيل عاش واقعاً اجتماعياً وثقافياً مختلفاً مما هو اليوم لكن هو وإخوانه فقد ظلوا محافظين رقم قلتهم يعملون للحركة الإسلامية وهي بكر وغريبة زمان ومكان، فذهب إلى الغرب حيث معرض الأفكار وصراع الثقافات والحضارات وفعل العجب وأن ما يحمله من عوامل التغيير والنهضة الشاملة في مشروعه الإسلامي كان النبراس الذي التف حوله إخوان العالم العالقين في عواصم الغرب هرباً من بطش وقهر حكامهم وكأن ما يشهده العالم العربي اليوم ربيع ثورات هو ارهاص لدوافعهم وأحلامهم ونتيجة متأخرة لما ينشدون من تغيير.. شكراًإخواني «علي محمود، وزير المالية» «الصادق الرزيقي» «محمد الفاتح» لجهدكم وتذكيركم لنا بسيرة الرجل الأمة «ود المكي» الرجل الذي عاش لأمته ومات لها ولا تزال مآثره باقية فينا فقد أوفيتم في زمن عزّ فيه الوفاء والنصير.. فمسيرة ود المكي تذكرة لإخوان السودان ولأمتنا حتى تستفيد من نكباتها وكبواتها والتي أشدها هي «الغفلة» التي ركز عليها أستاذ «عادل الباز»، فلا تنمو الأفكار وتصحو الضمائر ويُبنى المشروع إلا في ظل اليقظة ..نعم، إن أحمد عثمان مكي قد مات وبيننا وزمانه مرت سنون وفواجع لكن المصير المشترك والفكرة والمنهج تستهوينا وتفتح أمامنا أطياف التأمل للخوض في اتجاهات وعناصر المعركة الفكرية والقضية الإسلامية لنراجع تجربتنا في الحركة الإسلامية السودانية لنستكشف ماذا قدمنا وماذا أخرنا من محتويات المشروع؟ هذه فرصة لمراجعة المشروع الإسلامي العريض وتجربته السياسية والدعوية في السودان وأين يقف الإخوان الآن حاكمون ومعاضون؟ ولابد من البحث عن إجابات للسؤال إلى متى يقف الذين اتخذوا الأكاديميات والمنظمات والهجرة منافذ للهروب من التجربة وتداعياتها المحلية والدولية؟ هناك من هرب من لهيب وشظايا التجربة وبات يكيل لها النقد والسباب اللفظي متغزلاً في العذراء «الحرية» التي ننشدها جميعاً لكن الموضوع «دعوة حق أُريد بها باطل»!! بعضهم يحمل جنسيات وجوازات من بلاد شعوبها مسلوبة الحرية والإرادة مع ذلك يغني لها ويطرب ولم تكن الديمقراطية فيها إلا اسماً وشعاراً لا أكثر ولا أقل.. قنديل آخر لا يزال حياً مد الله فى أيامه هو «الدكتور/ التجانى عبد القادر» انظروا أين هو الآن من تفاعلات التجربة وهو الذي قدم ميثاق المؤتمر الوطني السياسي في المؤتمر الشهير بقاعة الصداقة عام 1994م، فقد تغير الأشخاص ولم يتغير المشروع في إطاره العام فقد ظل البناء السياسي هو هو، غير أن التجاني عبد القادر أصبح جلادًا وسهماً مسموماً على التجربة شتماً بالقلم وأشد العبارات دون موقف فكري ومنهجي واضح فلا يزال هناك دور كبير منتظر للبروفسير الجامعي وأن تخرج البقية الأخرى من إحباطاتها الجميع ينظر للمؤامرة حوله تنمو وتكبر يومًا بعد يوم لكنه يكابر وود المكي وحده في مرقده يدرك أنه لا ناجي من العدو أحد والكل عند الخصم وجهان لعملة واحدة مهما حاول البعض التبرؤ والتنكر بل التشبه بمجتمع «التي شيرت والبرمودا».. وود المكي وحده يدرك كيف يُخرج أمته من الخنوع وعدم القدرة والعجز إلى الفعالية وتجاوز ظاهرة القابلية للاستعمار والأخذ بتجارب الآخرين لتتناسب مع مجتمعنا وفق موروثه الإسلامي وعاداته وتقاليده الاجتماعية حتى يكون للسودان شأن وتأريخ ..المعارضة والنقد مطلوبان لأجل المراقبة والاستمرارية ثم الفعالية في الحياة العامة بمثل ذلك النزاهة والموضوعية أيضاً مطلوبتان ..أخي «الباز» فقد فتحتم صفحة من سفر أرجو التوالي وتقليت الكتاب بفصوله المشرقة والمظلمة لأن المسيرة لم تبلغ النهايات والمقاصد فقط اتخذوا الآية الكريمة «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العامين وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين» شعاراً لأجل الإصلاح والمناصحة..