«زنا المحارم» و «الاعتداء الجنسي على الاطفال» ما إن تتحدَّث مع أي شخص عن هتَيْن المسألتَيْن، يكون رد فعله سريعا هو الإنكار!!! وأول ما يقوله لك: «لا تُحدثني عن هذه التفاهات!! إنها لا تهمني، فأنا لا أهتم بهذا السخف، في محيط تربيتي لا يمكن أن يحدث هذا أبدًا، أسرتي لا تعرف هذه الوقاحة». هذا رد شائع من شأنه أن يجعل الأطفال دائمًا غير محصنين ويسهل اصطيادهم بل ويزيد من احتمالية الاعتداء عليهم جنسيًا!! هناك واقع مرير لا يريد المتسترون بالأوهام تصديقه، وهو أن الشخص الذي يعتدِي جنسيًّا على الأطفال هو شخص عادي ومعتدِل، فقد يكون شخْصًا ذا مكانةٍ رفيعة، أو رجلَ أعمال، وقد يكون معلمًا أو مدربًا رياضيًّا، أو واعظًا دينيًّا، أو نجمًا فنيًّا شهيرًا؛ ونعني هنا: أنه ليس من الضروري أن تتفق شخصية المعتدِي مع هذه الصور النمطية السلبية القائمة في أذهان الناس، بأن المعتدِي شخص من سفلة الناس، عاطل، أو غير متعلم، أو متعاطٍ للمخَدِّرات، أو مدمن لشُرب الخمر... إلخ. إنَّ الاعتداء على الطفل يُمكن أن يحدثَ داخل الأسرة، فقد يرتكبُه الأب، أو زوجُ الأم، أو الأخ، أو الأخت، أو أقارب آخرون، كما يأتي من خارج الأسرة؛ مِن جارٍ، أو صديقٍ، أو شخص يَعْتني بالطفل... إلخ. الإحصائيات العالمية عن الاعتداء الجنسي على الأطفال أقل ما يُقال عنها: إنها مُرَوِّعة، قد لا يُصَدِّق البعضُ أن مئات الآلاف من الأطفال يتم الاعتداء عليهم جنسيًّا سنويًّا، إما مِن قِبَل فرْد مِن أفراد الأسرة أو أحد الأقارب، الآلاف منهم يموتون بسبب هذا الاعتداء!! الباقون منهم تظل الآثارُ النفسية المدمِّرة باقية معهم إلى فترات طويلة جدًّا، حتى ولو شُفوا من الآثار الخارجية للاعتداء، ولا تظهر الآثار العاطفية المدمِّرة على الطفل على السطح حتى يصل الطفل إلى سنِّ المراهقة أو بعدها، يعاني المعتدَى عليهم جنسيًّا من مشكلات عاطفيةٍ عديدةٍ؛ منها: عدم القُدرة على تأسيس علاقات دائمة وشخصية مع الآخرين، يخافون الاقتراب من الآخرين أو ملامستهم أو إظهار الودِّ لهم، يعانون من الإحباط، والأمراض البدَنية، والمشكلات المدرسية أو في العمل... إلخ لهذا السبب اهتمَّ الباحثون بالرَّدِّ على ما أسموه بالأوهام الشائعة في قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال، ووضعوا أمام الناس ما رأوا أنه حقائق لا بُدَّ أن يعيَها الآباء والأمهات والأُسَر بصفة عامَّة. الوهم «1»: لا يعتقد أحدٌ أن مغتصب الأطفال يعاني حالة مرضية أو يصفوه بالجنون أو العوامل الجينيَّة والوراثية!!! لأن مثل هذا الاعتقاد يُبَرِّئ ساحة المعتدِي مِن جريمته، وكأنه ارتكبها لأسباب خارجة عن إرادَتِه. الوهم «2»: تصوُّر بعض الناس أنَّ الأطفال يكذبون أو يتوهَّمون ممارسة علاقات جنسيَّة مع بالغين!!- تصوُّر يحتاج إلى مراجعة لأن الأطفال لا يستطيعون اختلاق معلومات جنسيَّة صريحة، ولا يستطيعون كذلك وصف تفاصيل الفِعْل، فلا بد أن يكونَ الأطفال قد تعرَّضوا لاعتداء، ومن ثَمَّ يَتَحَدَّثون عنه، ولهذا حينما يقول الطفلُ شيئًا من هذا القبيل، يجب أن يؤخَذ الأمر بجدِّية، وبتقويم سريع. الوهم «3»: القول بأن الأولاد لا يمكن الاعتداء عليهم جنسيًّا؛ اعتمادًا على أن تنْشئتهم الاجتماعية تغرز فيهم كيفية حماية أنفسهم من الاعتداء!! إن الأولاد في الحقيقة هم أطفال، وغير محصنين، شأنهم شأن البنات، لا يستطيع الولدُ أن يدخل في معركة مع المعتدِي ، فالأخير قوي البنية، كبير الحجم، له سُلطة فوق الصغير، قد يستخدم معه التهديد الصريح، أو الرشوة، وأيًّا كان الأمر فإنَّه يستطيع أن يحصلَ على ما يريده مِنْ ضحِيَّتِه. الوهم «4»: يتصوَّر الكثيرون أن الاعتداء الجنسي على الطفل حادثة فريدة ومنعزلة هذا أمر غير صحيح؛ فالاعتداء الجنسي على الطفل أو زنا المحارم، ينمو بالتدريج وعبر الزمن، وغالبًا ما يحدث بصورة متكررة، وهو بصفة عامة قاعدة وليس استثناء. نواصل.