قبل أن نحكي الطرفة التي رواها أحد الدبلوماسيين العرب حول التلفزيون السوداني لا بد أن ننقل لهم ناس التلفزيون القومي خالص الشكر والتقدير والإعجاب بالمجهود الكبير الذي بذلوه ولا يزالون في فترة احتلال أبوكرشولة وحتى تحريرها. حيث قام التلفزيون القومي بتغطية كل الأخبار والأحداث بمنتهى «الحرفية» و«الوطنية».. ونأمل بالطبع أن يستمر هذا المجهود حتى تحرير «كاودا» والمناطق الست التي لا يزال يحتلها الجنوبيون.. ومن المؤكد أن التلفزيون القومي قد ظهر ولا يزال وكأنه القناة الوحيدة الموجوعة والحزينة والحريصة على البلاد والعباد بينما بدت قنوات أخرى يُفترض أن فيها دماء أو بعضًا من دماء سودانية وكأنها لا تهتم بما يجري في البلاد من تدمير وخراب واحتلال... بل ربما ظلت هذه القنوات تصفق وترقص وتغني لدرجة الثمالة وأهلها تنزف جراحهم وكاد بعضها أن يقول «الشريف مبسوط مني»... مع أن الشريف ولا مبسوط منهم ولا حاجة.. وظلت بعض هذه القنوات تستعرض إمكاناتها المتاحة وغير المتاحة وهاك يا حنَّة وهاك يا ترتر وهاك يا رسومات مربعة ومثلثة ومستديرة.. وهاك يا غناء وهاك يا زيطة وهاك يا زمبليطة وكأن أمر الاحتلال يحدث في جزر القمر أو كأن الأرض التي حررها الجيش إحدى جزر المالديف أو جزر الكناري وليست أبوكرشولة جارة أم روابة و«الله كريم».. فشكراً للتلفزيون القومي ويا جماعة طوَّالي خليكم على كده فالبلاد في حالة حرب وهي مستهدَفة وعليكم تقع مهمة تعبئة الشعب و«تسخينه»... ليس على طريقة أبو عيسى والجبهة الثورية الذين قالوا إنهم سوف «يسخنون» الخرطوم خلال مائة يوم مضت منها حتى الآن اثنا عشر يوماً.. ونقص الطرفة التي حكاها أحد الدبلوماسيين العرب في أوائل التسعينيات ... وكانت الإنقاذ في «عنفوانها» و«رونقها» .... وإشراقها القديم.. وكان تلفزيونها في ذلك الوقت مشغولاً بالتعبئة في ساحات الفداء وتعظيم دور القوات المسلحة والدفاع الشعبي والاهتمام بقضايا الوطن الملحة في الأمن والتنمية.. حكى الدبلوماسي طرفة تقول إن شخصاً كان قد عثر بالصدفة على إحدى القنوات «المنحلَّة» .. وإنه توقف عندها وشاهدها لمدة ساعة كاملة واطلع على تفاصيل الفيلم الخادش للحياء خلال تلك الساعة.. ولأنه رجل متدين إلى حدٍّ ما فقد أصابته عقدة نفسية عميقة أثرت عليه ولم تفارقه على الرغم من كميات الاستغفار التي رددها والصدقات التي تبرع بها... وأخيراً ذهب الرجل إلى «فكي» أو «شيخ» وحكى له عن تلك العقدة النفسية التي لازمته ويحاول التخلص منها. وشيخنا الفكي طمأنه تماماً إلى العلاج وقال له إن كفارة هذه المشاهدة من تلك القناة المبتذلة هو أن يشاهد القناة السودانية لمدة يومين متتاليين دون انقطاع وهذا الأمر سوف يكفي ليكون كفارة لهذا الذنب العظيم.. والرجل فعل ما طلبه الفكي وتخلص من العقدة النفسية.. وبالطبع لن يكون ذلك متاحاً هذه الأيام عند مشاهدة بعض قنواتنا.. طيب يا جماعة.. ويا ناس القنوات كلهم لا نحتاج أن نذكركم بأن الجبهة الثورية التي عاثت في الشهر الماضي فساداً واعتمدت على إسرائيل ودولة الجنوب وأهلكت الحرث والنسل وذبحت المواطنين ذبح الشياه وقطعت أوصال البعض وعلقتهم في الشناكل وعرضتهم على طرابيز البيع بالقطاعي.. هذه الجبهة الثورية يتزعمها عرمان وعقار والحلو.. ويتضامن معها زعماء سياسيون من أهلكم ومن عشيرتكم ويقف خلفها طابور طويل وخامس من العملاء والمرتزقة وربائب المستعمرين ومن مخابرات الأعداء والأحزاب «الماوطنية»... وهؤلاء جميعاً قد اطلقوا برنامجاً اسموه برنامج «تسخين» الخرطوم خلال مائة يوم... وقالوا إنه بدأ منذ اليوم الأول من يونيو الجاري ومن المؤكد أن «التسخين» سيكون بإثارة القلاقل وعدم الاستقرار ونهب الثروات وحرق المنشآت وتدمير المصانع وقتل المواطنين وحرق منازلهم وتعطيل مصالحهم وربما نسف الكباري والمؤسسات... ولهذا فلا بد أن يستمر تلفزيوننا القومي في شحذ الهمم ورفع مستوى اليقظة والحذر لإفشال برنامج «تسخين الخرطوم» بتاع الجبهة الثورية على الأقل خلال فترة المائة يوم المرسومة والتي بقي منها ثمانية وثمانين يوماً على حد إعلان زعمائهم وقادتهم.. ومعاً لمكافحة التسخين. { كسرة: ماذا فعل «ناسنا» بخصوص ترحيل الجنوبيين إلى بلادهم.. إذا ما علمنا أن كل جنوبي عبارة عن خلية نائمة.. ومتى سنسمع أن البلاد قد أصبحت خالية تماماً من هذه العناصر التي يُتوقع أن تسبِّب الدمار والخراب بأمر من الجبهة الثورية وباقان وعرمان.