حُجبت صحيفة «الإنتباهة» عن الصدور أسبوعًا كاملاً دون الإفصاح عن دواعي وأسباب الغياب المفاجئ، إلا أنَّ الشائعات تقول إن أسباب الإيقاف ترجع لتجاوزات أمنية وتعليقات غير موفَّقة، تزامنت مع التعبئة العسكريَّة التي قامت بها الحكومة استعدادًا لاسترجاع مدينة أبو كرشولا.. وإن صحَّ هذا التبرير أو لم يصحَّ، لا بد من كلمة حق يجب أن تقال، ومرافعة أمنية بجب أن تقدَّم دفاعًا عن صحيفة «الإنتباهة».. بالرغم من اختلافي مع الصحيفة في بعض القضايا التي تثيرها، إلا أنني أعتبرها من الصحف القومية الجريئة الداعمة بقوة للمجهود الحربي إعلاميًا وعمليًا، وهي في سبيل تحقيق المصلحة القوميَّة لا تتردد أبدًا في خوض معارك الحق، حتى لو أدى ذلك إلى إيقافها أو تعريض مصداقيتها للخطر.. وإليكم مثالاً حيًا يؤكد ما نقول.. تزامن مع الهجوم الغادر الذي نفذته الجبهة الثورية على مدينتي أبو كرشولا وأم روابة، خبر اغتيال قائد قوات الجبهة الثورية عبد العزيز الحلو أثناء المعارك التي دارت هناك.. خبر انفردت به صحيفة «الإنتباهة» كعنوان رئيسي ورد في صفحتها الأولى في ثلاثة أعداد متتالية.. وبالرغم من أن طاقم «الإنتباهة» يعلم علم اليقين أن الخبر لم يتم تأكيده من قبل مصادر أخرى، الا أنهم وبحسهم الأمني، آثروا نشر الخبر بين الناس لتحقيق أهداف استخبارية قومية لخدمة المجهود الحربي في وقت حرج تتحكم في أحداثه الإشاعة الموجهة والتي تستهدف طمس الحقائق الواقعة على الأرض وتغيير مجرى الأحداث، حتى ولو لفترة قصيرة.. ومهما اختلفت آراء المراقبين نحو جدوى نشر الخبر، إلا أن حسي الأمني كان مع توجه الصحيفة، داعمًا نشر الخبر لخدمة المجهود الحربي خاصة في تلك اللحظات الحرجة لتحقيق مزايا عديدة نذكر منها ثلاث مزايا رئيسية هي:- أولاً: قوات الجبهة الثورية وهي تصول وتجول في ولايتي جنوب وشمال كردفان بحرية تامة، متمتعة بمعنويات عالية، تحقق انتصارًا بعد انتصار، كان لا بد من كبح معنويات العدو وخفضها بأي وسيلة وطريقة ممكنة حتى لا تكون تلك المعنويات دافعًا للمزيد من الانتصارات.. وخبر اغتيال قائدهم الميداني الذي نشرته صحيفة «الإنتباهة»، وقبل تكذيبه رسميًا بواسطتنا، فعل فعلته في معنويات أنصار الجبهة الثورية في المدن المختلفة.. وقد لاحظ المراقبون الاضطراب الواضح في عيون وحركات وانفعالات المتعاطفين مع الجبهة الثورية في الداخل، ناهيك عن تأثير الخبرالسلبي على معنويات المقاتلين في الميدان.. ولو تحرَّكت القوات المسلحة في حينه، لوجدت فلولاً مهزومة معنويًا لا تقوى على الصمود.. والتاريخ الحديث يحكي كيف انخفضت معنويات جيش هتلر عندما تسربت إشاعة مقتله بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفذها بعض الجنرالات الألمان.. ثانيًا: قواتنا المسلحة البرية وهي تتأهب لرد الصاع صاعين بهمة ونشاط، وتحت أجواء يسودها روح التفاؤل والانتصارات المتتالية لقواتنا الجوية، الذراع الطويلة اللاحقة، وبغض النظر عن تأكيد معلومة الاغتيال أو عدمه، هذا الشعور المتفائل يزيد قواتنا البرية عزمًا وإصرارًا على المضي قدمًا والقضاء على ما تبقى من فلول، بروح معنوية عالية.. علمًا بأن مثل هذه الإشاعة تسمى في علم المخابرات إشاعة أمل.. ثالثًا: وهو الأهم، «استغلال مبدأ الإثارة لخدمة المجهود الحربي».. انتشار معلومة اغتيال القائد الميداني عبد العزيز الحلو وسط أتباعه في المدن والميدان، الغرض منه خلق بلبلة وتململ يؤثر على الروح المعنوية ويضعف تماسك قوات الجبهة الثورية.. وقد يثير هذا الموقف الطارئ حفيظة عبد العزيز الحلو، وحفاظًا على تماسك قواته وأتباعه، لا بد له من الخروج عن صمته والتحدث عبر جميع أجهزة الميدان والقنوات الفضائية لتكذيب الخبر، وبالتالي تقوم أجهزة الالتقاط الإلكترونية بتحديد مكانه بالإحداثيات والتعامل معه بطريقة شبيهة بالطريقة التي عومل بها د. خليل إبراهيم قائد قوات العدل والمساواة.. إذن ترويج صحيفة «الإنتباهة» لخبر اغتيال القائد الميداني عبد العزيز الحلو لم يأت عبطًا و لا تخبطًا، بل نشر وترويج الخبر جاء بقصد مع سبق الإصرار لخدمة المجهود الحربي.. وهو نفس الواجب الذي يُفترض أن تقوم به المخابرات المضادة.. يتضح من خلال المرافعة الأمنية أعلاه أن صحيفة «الإنتباهة» قدمت دعمًا معنويًا كبيرًا لصالح المجهود الحربي بنشرها خبر الاغتيال، لا يقارن المكسب بالتجاوزات الطفيفة التي تسبَّبت في إيقاف الصحيفة.. وهنا يحق للقارئ أن يسأل.. ألم تشفع تلك التضحية المذكورة أعلاه، لصحيفة «الإنتباهة»، وتوفر لها الحصانة مستقبلاً ضد الإيقاف؟.. وأخيرًا أقول لطاقم «الإنتباهة» عفوًا: قرار إيقاف الصحيفة إضافة إلى حديث البعض عن المصداقية الصحفية، أثارا مشاعري وحرَّكا دواخلي بدرجة كبيرة، جعلتني أكشف أسراركم وأتناول المسكوت عنه..