مثل ناطحة سحاب بشرية من الإنجازات، قام من كرسي السلطة، وغادر المشهد السياسي... في وقارٍ وفي ذروة نجاحه ومجده، تقاعد نيلسون مانديلا عن السياسة. إستقال مهاتير محمّد، صانع نهضة ماليزيا الحديثة، وتقاعد عن السياسة في عنفوان عطائه. قدّم «جيانغ زيمين» الرئيس الصّيني السابق، إستقالته من رئاسة الصّين. كان زيمين قد قاد الصين إلى مجدٍ جديدٍ، بعد رحيل الرئيس «دنج هسياو بنج». منذ انتصار الثورة الصينية عام 1949م، يحكم الصين اليوم، في 2013م، الجيل الخامس من السياسيين. بحكم الدستور، تنتخب أمريكا الرئيس دورتين فقط. أي يحكم الرئيس ثمانية أعوام كحدٍّ أقصى. في إيران بحكم الدستور يُنتَخب الرئيس فقط لدورتين كل دورة أربعة أعوام. منذ استقلال السودان في يناير 1956م، يحكم السودان اليوم عدد محدود للغاية من السياسيين من الجيل الثالث، مَّمن هم في نهايات الستينات من العمر. لكن الجيل الثاني مَّمن هم في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، لايزال هائجاً يسبِّب زعازع وقلاقل مسلّحة وغير مسلّحة، لا أوّل لها ولا آخر. قال جيانغ زيمين، إن استقالتي تدعم استقرار الصّين. جيانغ زيمين عندما استقال من رئاسة الصّين كان في السبعينات من العمر. إذا تُرجِمت تصريحات «زيمين» سودانيّاً، تفيد أن عدم استقالة الزعماء السودانيين السبعينيين والثمانيين من السياسة، يزعزع استقرار السودان. ذلك ما يحدث في السودان. السيد «كَرَوَان» ظلّ يهفو إلى كرسي السلطة حتى رحيله في الثانية والثمانين من العمر. قضى معظم العمر مختفياً، متوارياً، يسترق السّمع إلى كلّ دقة باب، يتربصّ ويترقّب، ينظر من ثقوب الشبابيك. يحبّ من الشعر «شُبّاك وفيقة يا شجرة تتنفَّس في الغبش الصّاحي». من طول مكثه في البيت أصبح مقاماً موسيقياً «مقام البيَّاتي». السيد كروان البيّاتي «82 عاماً» كان في انتظار دورٍ قادم في مستقبل السودان، لقد سمح السودان، ولكن لم يسمح هادم اللذّات للسيد كروان بأن يصبح من نجوم الغد!. كثرة تصريحاته الفهلوانية والبهلوانية تذكرّ ب «سامي ديڤز جونيير» عندما يرقص ال (Tap Dancing). السيد «كاكولة» يبلغ من العمر (79) عاماً، من كثرة اللفّ والدّوران أصبح مدوَّراً، تحير الطبّ في استدارته، يذكّر برائعة صلاح جاهين «مين اللِّي كوّر الكرة الأرضية.. مين اللي دوّرها كدة بِحِنِيّة». قابض يده كلّ القبض، رغم الثراء الواسع، حتى كتابة هذه السطور، لم يتبرع بعمل خيريّ قطّ ولا حتى إقامة «سبيل ماء». خلايا دماغه لا تشعّ ولا تستقبل الإشعاع. خلايا دماغه صحراء كبرى. يتحدّث بطلاقة عدداً من اللهجات العربيّة سحاب معلّق في فضاء السياسة السودانية تسعاً وسبعين عاماً، لم تقع منه نقطة ماء، ينتظر دوراً كبيراً في سودان القرن 21، بينما هو أكبر جسر يربط السودان بالقرن التاسع عشر!. السيد/ «خريف الغضب»، ضائع ضياع الشّمس في ثقب المسام، في قلبه أحزان السّماوات، وأوجاع الحسين. ثمانينيّ في خريف العمر، يتلمّس أعمدة المعبد، مثل شمسون الجبّار بعد الحلاقة، يردِّد علىّ وعلى أعدائي يا رب!. السيد/ «أكروبات» في (ربيعه) السابع والسبعين، لا يزال يمارس هواية التزّحلق على جليد المصطلحات، حتى أصاب اللغة العربيّة بانزلاق غضروفي!، حتى أصبحت الكلمات قواقعاً فارغة. لكن إذا قرأ قصيدة «القوقعة الفارغة» التي كتبها محمد المهدي مجذوب ربما تعيده إلى الصّواب. عدم استقالة السبعينيين والثمانيين الخالدين من السياسة السودانية، مثل السادة كروان، كاكولة، وخريف الغضب وأكروبات، تزعزع استقرار السودان. قال جيانغ زيمين: إنّ استقالتي تدعم استقرار الصِّين. متى يستقيل «الخوالدة» السبعينيّون والثمانينيّون من السياسة، أم أنّ على الشعب السوداني انتظار عزرائيل عليه السلام!.