ما إن يلوح في الأفق رجاء ما حول التقاء إسلاميي المؤتمرين الوطني والشعبي في طيات خبر هنا أو هناك حتى يخرج الأمين السياسي للشعبي كمال عمر عبد السلام لينفي بشدة صحة المعلومات التي اوردها الخبر وكثرة تواتر هذا المسلك من عبد السلام دون غيره من قيادات حزبه مدعاة للفت النظر خاصة ان تصريحاته التي مؤداها نفي صحة تلك الاخبار وتأكيد ان حزبه باق على توجهه بإسقاط النظام تبدو وكأنها تأخذ طابعًا او مذهبًا شخصيًا اكثر من كونها تعبيرًا عن اتجاه حزبه رغم ان مسؤوليته عن الأمانة السياسية في حزبه تدفع بتصريحاته تلك في اطار مهامه الحزبية واحدث نسخة لتصريحات عبد السلام في هذا الإطار جاءت عقب الأنباء التي نقلتها عدد من الصحف مؤخرًا وجاء فيها ان القيادي بالشعبي علي الحاج اكد ان المرحلة الراهنة تقتضي الإسراع في عملية الوفاق بين حزبي الوطني والشعبي واشار الى ان الأمين العام لحزبه حسن عبد الله الترابي ابدى موافقته على مبدأ لم الشمل لضرورات تمليها المرحلة الراهنة، واقر بوجود مشاورات ولقاءات على مستوى قيادات الحزبين للبحث حول كيفية المشاركة في الحكومة القادمة وبالفعل لم يطل الانتظار لتشق تصريحات عبد السلام طريقها في صحف اليوم الثاني عبر العنوان التالي «ما نُشر عن حوار مع الوطني كذب وتلفيق»، وجاء في التفاصيل التي ادلى بها عبد السلام قوله ان ما نُشر منسوبًا الى مصادر بالشعبي عن وجود تقارب ولقاءات بين الحزبين يقودها علي الحاج بألمانيا عار تمامًا من الصحة، واوضح عمر ان هنالك من يحاول أن يجعل حزبنا مثار شكوك لزعزعة الثقة بيننا وبين أحزاب قوى الإجماع ولكن ذلك حلم سيطول انتظار تحقيقه، ودحض عبد السلام الخبر باشارته الى ان هيئة قيادة الحزب جددت في اجتماعها الاخير قرارها السابق بإسقاط النظام، واضاف ان حزبه في مثل هذه المسائل المفصلية لا تنسب مواقفه إلى مصادر تفضل حجب اسمها انما يعلنها الأمين العام او المتحدث باسم الحزب في الهواء الطلق، ولما كانت قيادات الوطني والشعبي وفي مقدمتها الرئيس عمر البشير والترابي قد التقت ثلاث مرات في يوليو الماضي في اكثر من صيوان عزاء مؤخرًا اولها وفاة والدة عضو مجلس قيادة الثورة التجاني آدم الطاهر ولدى تشييع القيادي الإسلامي يس عمر الإمام وأخيرًا تقديم البشير العزاء للترابي في وفاة شقيقه عبد الحليم فقد نقلت الزميلة «الأهرام اليوم» عن عبد السلام بالجمعة الفائتة تبخسيه لتلك اللقاءات ووصفها بالخالية من أي مدلولات سياسية وان لقاءات الرجلين لا تخرج عن الإطار الاجتماعي، وشدَّد على تمسك حزبه بخطه الرامي لإسقاط النظام واردف: «لو زارونا او حتى سكنوا معنا لن نتخلى عن خطنا لإسقاط النظام» وسبق لعبد السلام ان قلل من اللقاء الذي جمع بين علي الحاج والنائب الاول للرئيس علي عثمان محمد طه في مارس الماضي واكد ان حزبه متمسك باسقاط النظام عبر ثورة شعبية، واشترط للدخول في حوار مع الوطني تسليم السلطة واعلان تشكيل حكومة انتقالية، واكد ان ايًا من قيادات حزبه تجاوز قرارات قيادة الحزب بعدم الجلوس مع الحزب الحاكم والعمل على إسقاطه بثورة شعبية، وحول هذه النقطة اوردت «الإنتباهة» بالخميس الماضي ان مصدرًا مطلعًا من هيئة قيادة الشعبي قال ان قطاعات الطلاب والشباب والمرأة بالحزب عبَّرت عن احتجاجها على مواقف الامين السياسي عبد السلام من تقارب الإسلاميين ويعمل على تنفيذ اجندة احزاب وجهات اخرى، ورغم ان الخبر منسوب لمصدر إلا ان عبد السلام يُعرف عنه انفتاحه الواسع مع تحالف المعارضة السياسية منذ توقيع التحالف مع الحركة الشعبية في جوبا في مارس 2010 وان لديه علاقات قوية مع الحركة الشعبية بالجنوب والحركة قطاع الشمال وانه متوافق مع التيارات العلمانية في المعارضة السياسية والمسلحة، وهناك من يشير الى أن قيادات حزبه تأخذ عليه هذا المسلك وربما كان تفسير ذلك يعود الى عدم انتمائه للحركة الإسلامية وفقًا لأمين الدعوة والفكر في حزبه ابو بكر عبد الرازاق قال في بعض احاديثه الصحفية ان عبد السلام لم يكن اخًا مسلمًا في يوم من الأيام وانه من قام باستقطابه للشعبي عقب المفاصلة. شخصية الرجل المثيرة للاهتمام جعلته محط اهتمام من دفع به جهة اليسار بتنسيبه للشيوعيين وانه مزروع من قبلهم داخل الشعبي لتحقيق اهداف بعينها بينما ذهب رئيس حزب منبر السلام العادل الطيب مصطفى في حوار اجرته معه «الرأي العام» الى النقيض من ذلك تمامًا اذ وصف الأخير بأنه مؤتمر وطني مدسوس على الشعبي لتحطيمه. ومن المحطات اللافتة في مسيرة عبد السلام مؤخرًا المخاشنة التي نشبت بينه وبين قبيلة المسيرية على إثر زيارة وفد من الأحزاب السياسية السودانية لجوبا لتأدية العزاء في مقتل زعيم دينكا نوك كوال دينق وان كانت المسيرية قد اخذت على الوفد توجهه للجنوب وتجاهل قتلى المسيرية العشرين في الحادثة نفسها إلا ان المسيرية خصت عبد السلام بأنه عمل تأليب الرأي العام الجنوبي ضدهم وانه اساء الى القبيلة التي شرعت في فتح بلاغات ضده إلا ان الاخير نفى التصريحات المنسوبة اليه واوردت بعض الصحف صورة له بمعية طرف من قيادات المسيرية في اشارة الى طي صفحة سوء التفاهم بين الطرفين. وعبد السلام من مواليد مطلع خمسينيات القرن الماضي بمدينة دنقلا بالولاية الشمالية وهو يكاد يكون من القلة النادرة من الساسة الشماليين الذين يمَّموا شطر المنشية دون القصر وهو وفقًا للصحفي اشرف عبد العزيز من عاش طرفًا من حياته بجنوب السودان وعمل فيه وهو خريج جامعة القاهرة فرع الخرطوم منتصف الثمانينيات وهو من القيادات الوسيطة قبل المفاصلة إذ كان يشغل منصب نائب رئيس محلية الخرطوم وسط، وعن المفاصلة ومن خلال لقاء للترابي مع امناء المحليات اقتنع عبد السلام بأنه جزء من منظومة الشعبي، ويضيف اشرف ان عبد السلام التحق بعضوية الامانة السياسية بالشعبي، ثم انتقل لعضوية الامانة العدلية التي صار امينًا لها قبل ان يتقلد مسؤولية الأمانة السياسية، وبشأن موقف عبد السلام الذي يبدو متطرفًا في تعاطيه مع الحوار مع الوطني قياسًا على قيادات حزبه قال اشرف ان الاخير يعبر عن رؤية حزبه الرسمية، ولفت الى ان صمت الترابي حيال تصريحاته في هذا الصدد تشير الى موافقته الضمنية على احاديثه الصحفية، وفي المقابل يرى الصحفي ياسر محمود ان المسافة الفاصلة بين عبد السلام وبعض قيادات حزبه المؤيدة للحوار مع الوطني مثل المسافة بين السماء والأرض في احسن حالاتها، وانهم يرون انه احادي الرأي ويصادر ذكاء الآخرين. يبقى ان عبد السلام لم يكن له وجود يُذكر قبل المفاصلة فقد طفا على سطح المشهد السياسي عقب المفاصلة، فهل يختفي عبد السلام من المشهد السياسي بنفس السرعة التي سطع فيها نجمه اذا صدقت الانباء التي تتحدث عن ان الحوار بين المؤتمرين يجري على قدم وساق لإعادة اللحمة بين الوطنيين والشعبيين؟