بانقضاء يوم أمس، مرَّ أسبوع على أكبر مذبحة في تاريخ مصر أو ربما العالم كلِّه، حيث ارتكبت قوى الأمن والشرطة أفظع وأشنع مجزرة بشرية في ميداني رابعة العدوية والنهضة أثناء فضّ اعتصام لمؤيدي الشرعيَّة من القوى الشعبية المصرية الرافضة للانقلاب الذي هوى بأرض الكنانة إلى هاوية سحيقة من العمف والدم والموت الزؤام.. ودخلت مصر إلى النفق المظلم، وغاصت أرجلها في الوحل الذي طالما حذَّرت منه جهات عديدة داخل وخارج مصر ممَّن يحرِّكهم الحرص على سلامتها والخوف عليها من أن تقع فريسة لدوامة الصدامات التي لا يعرف مداها إلا الله... رغم ما حدث خلال هذا الأسبوع من عسف وقهر وتنكيل وتقتيل، فإن ذلك لن يفتّ في عضد المنادين بعودة الشرعية والديمقراطية ورفض السلطة الانقلابيّة الدموية التي لن تقود مصر إلا لمزيد من الدماء والتدمير والخراب، بانسداد الأفق أمام أي تسوية تحقن الدماء وتعيد الأمور إلى نصابها.. وكان واضحاً منذ البداية أنَّ الانقلاب هو عودة لنظام حسني مبارك الذي تجري محاولات تبرئته من كل جريرة وجريمة ارتكبها في حق الشعب المصري وسيُطلق سراحُه لتعود مصر القهقرى مرة أخرى وتصبح صيحات التيارات العلمانية وتشدقهم الأجوف بالديمقراطية والثورات حسرات عليهم ولعنة تطاردهم أينما حلوا وأقاموا.. ومن الواضح أنَّ حركة الإخوان المسلمين التي استشهدت قياداتها وشبابها خلال الفترة منذ الثالث من يوليو حتى اليوم واعتقال مرشدها العام الدكتور محمد بديع، لا يمكن استئصالها وقهرها بمثل هذه الأساليب البوليسية وقمعها فقد واجهت الحركة طوال ثمانين عاماً مثل هذه الظروف ولم تكن يوماً بعيدة عن السجون والمعتقلات وغرف التعذيب فقد جمرتها نيران الظلم والحبس والتضييق وصنوف التنكيل والترهيب، وتخرج من كل هذه المحن وهي أقوى شكيمة وإصرارًا وأكثر تمسكاً بمنهجها ودعواتها ومن يفكر في إطفاء نورها فسيصطلي بنارها.. وكلَّما واصلت السلطة الانقلابيَّة في غلوائها وطيشها وهيجانها وجنونها وأعينها المعوصبة من رؤية الحقيقة، غرقت أكثر في دم الأبرياء وقدَّمت المبرِّر لعزلتها الإقليميَّة والدوليَّة فضلاً عن عزلتها الداخليَّة، وما تشهده مصر كل يوم دليل قاطع على أنَّ الأمور وصلت إلى مرحلة اللاعودة ومن الصعب التوصُّل في ظل هذه المغالاة في القتل والكراهية وإرهاب الدولة أن تعود مصر كما كانت.. يمكن للسُّطة الانقلابيَّة وبيدها القوة الباطشة أن تقتل وتعتقل قيادات الشعب المصري من الإخوان المسلمين والتيارات الإسلاميَّة والقوى الشعبيَّة وأحرار مصر، لكنها لن تستطيع أن تمنع الحق أن ينتفض والأفكار أن تتمدَّد، فالأمن والطمأنينة لا تُشترى بالخوض في الدم وإزهاق الأرواح وتصفية الخصوم وملء السجون والمعتقلات وتعذيب الشيب والشباب الأبرياء، والشعوب ما عادت تستكين مهما كانت القوة ظالمة وقاسية ومتسلطة وعنيفة تقطر أنيابها بدم ضحاياها.. ليس هناك ما يخيف الشعب حين ينتفض ويثور، لكن الواضح أن السلطة الانقلابية تقف عاجزة تماماً عن تقديم أي مخارج من وعودها ومبررات انقلابها على الشرعية، فقدت مصر أمنها وأمانها وانقسم المجتمع المصري وبات يقف على شفا الحرب الأهلية، وتراجعت السياحة وحركة الاقتصاد وعادت صفوف الوقود وبعض المواد الغذائية من جديد وفقد المواطن إحساسه بالأمن وقدرة الدولة على حمايته، وتكاد شبه جزيرة سيناء تتحول بالكامل إلى ساحة حرب شاملة، بجانب عجز الحكومة عن إدارة شؤون البلاد وإيجاد مخرج من التوترات والاحتقانات التي يتفرج عليها العالم وسط شعور متعاظم من كل العالم بخطورة الأوضاع الحالية وتتطور المواقف الإقليمية والدولية بصورة متلاحقة ضد اختطاف الدولة المصرية بواسطة الانقلابيين وانقضاضهم على شرعية الحكم في مصر.. مهما فعل الطغاة الظلمة وتجبروا فلن يفلحوا في تنفيذ مخطط إنهاء دور مصر التاريخي وجعلها تابعًا للمشروع الصهيوني، بتصفية التيار الإسلامي وقبره في ركام التراب والتاريخ... فقد جرت السُّنن الربانية في الكون.. أن على الباغي تدور الدوائر... ولا نامت أعين الجبناء.