يأتي مصطلح الأوراسي مركباً من كلمتي أوربا وآسيا ويضم كلاً من روسيا الاتحادية وكازاخستان وبيلاروسيا. هذا وقد اختير اسم اتحاد حتى تنتفي عنه الصفة السياسية وحتى العسكرية وقد كان الرئيس بوتن غاية في الذكاء لاختياره هذا المصطلح الذي يتحدث عن تعاون اقتصادي صرف، فالصراع اليوم بعد انتهاءالحرب الباردة أصبح صراعًا على الموارد، وهذه الرقعة التي تكون هذا الاتحاد تفوق مساحتها العشرين مليون كيلومتر مربع وبها من الموارد الطبيعية والخامات ما يجعلها الرقعة الأغنى في العالم. وإذا قارنا مساحة الاتحاد الجديد بمساحة الاتحاد السوفيتي القديم لوجدنا الفرق لا يزيد اثنين مليون ونصف كيلومتر مربع، أي أن اتحاداً اقتصادياً ضخماً سيبرز للعالم غني بالموارد الطبيعية والقوى البشرية ويزيد تعدادها ثلاثمائة مليون نسمة مدعومين بالتكنولوجيا والخبرات في مجال الصناعة والزراعة. وهذا الاتحاد يملك أسباب النجاح بما لديه من رصيد ثقافي وعلمي، فحسب احصائيات العام 7791 كانت روسيا الاتحادية تصدر حوالى ستة وخمسين ألف كتاب ونشرة تعريفية بلغ عدد المطبوع منها مليارًا واربعمائة وثمانية عشرة مليوناً أما من المجلات عددها ثلاثة آلاف وخمسمائة مجلة ثقافية وعلمية، أما الطبعة السنوية من هذه المجلات فبلغت ثلاثة وعشرين مليار نسخة، الصحف اليومية في روسيا الاتحاية بلغ عددها أربعة آلاف وثلاثمائة صحيفة أما عدد الطبعات السنوية من هذه الصحف فقد بلغت سبعة وعشرين مليارًا وثلاثمائة مليون نسخة.. هذا الإرث الثقافي العلمي الذي تتمتع به روسيا الاتحاية قبل أكثر من ثلاثين عاماً.. وعلى ذلك يمكن قياس الذخيرة الثقافية والعلمية التي تتمتع بها روسيا الفيدرالية في ستينيات القرن الماضي كانت مكتبة لينين تحوي اثني عشر مليون مطبوعة كم يا تُرى الآن عدد تلك المطبوعات العلمية؟ التعليم الجامعي في روسيا الفيدرالية على مستوى رفيع، حتى إن جامعة موسكو وحدها تملك قمرين اصطناعيين خاصين بها يمدانها بالمعلومات لاستخدامها في الأبحاث العلمية. الأقطار المكونة للاتحاد الأوراسي تزخر بموارد مائية ضخمة حيث يبلغ عدد الأنهار ثلاثة ملايين نهر يبلغ طولها حوالى عشرة ملايين كيلومتر طولي، تغطي أكثر من ثلاثة آلاف مليار متر مكعب من المياه سنوياً، هذا بخلاف المخزون الجوفي، وهذا يسمح للاتحاد بالتوسع لأقصى حد في الزراعة حيث الأراضي متوفرة في دول الاتحاد. وهذا يعني أيضاً تأمين الغذاء لتلك الدول وكسر احتكار الولاياتالمتحدة للقمح في العالم اذ ان انتاج القمح في دول الاتحاد سيكون كبيراً وهذا ما ستستفيد منه الدول الفقيرة التي تتغذى على القمح. انتاج روسيا من النفط يعادل اثني عشر مليون برميل يومياً، أما الغاز فإن روسيا تغذي أوربا الغربية بثلث احتياجاتها منه وإذا اضفنا البترول والغاز الكازاخستاني فإن الاتحاد سوف يصبح قوة اقتصادية عظمى. اعتقد أن الرئيس بوتن يتسم ببُعد النظر الاقتصادي والسياسي، وقد اعتمد على الاقتصاد وتقويته دون أن يكون للدول المكونة للاتحاد التزام سياسي، فكل دولة من دول الاتحاد لها سياستها وشعبها حُر في اختيار من يحكمه. هذا الى جانب الموقع الجيوبوليتكي للاتحاد فهو الرابط بين آسيا واوربا وكذلك الشرق الأوسط. فهو يربط الشرق الآسيوي بالغرب الأوروبي والجنوب التركي والإيراني والعربي. ولا أعتقد أن هذا الاتحاد سيُحدث ضرراً بالدول العربية بل أعتقد أن هذا الاتحاد ربما يطور العلاقات التجارية مع دول الشرق العربي والتي يبلغ حجم التعامل معها جميعاً حوالى عشرة مليارات دولار بينما يبلغ حجم التعامل التجاري مع تركيا خمسة وثلاثين مليار دولار ومع ايران خمسة عشر مليار دولار. هذا إذا اضفنا عامل الدين الإسلامي فإن العلاقات بين الدول العربية والاسلامية في المنطقة والاتحاد الأوراسي فإن العامل الديني سوف يكون إيجابياً، ففي روسيا الاتحادية حوالى خمسة وثلاثين مليون مسلم هذا بالإضافة إلى كزاخستان التي غالبية سكانها من المسلمين، وهذا سيكون عاملاً في توطيد العلاقات بين دول الشرق الإسلامي العربي والاتحاد. وقد يكون هذا الاتحاد نموذجاً للدول العربية والإسلامية في المنطقة لتحذو حذو دول الاتحاد فتكون اتحاداً اقتصادياً يمهد للتعاون بينها مما ينمي المنفعة المتبادلة. وهذا الاتحاد يقدم للعالم نموذجاً اقتصادياً متكاملاً للاستفادة من الموارد ويحول النظرة الاستعمارية التي ترمي الى احتلال الموارد والصراع عليها، الى نظرة اقتصادية يستفيد منها كل الأطراف المشاركة، مع تمتعها بالاستقلال السياسي الأمر الذي يخلق الاستقرار في تلك البلاد الأمر الذي يتيح لها التقدم والازدهار. ونظرة الرئيس بوتن ترمي بعيداً في مستقبل شعوب المنطقة وانتشالها من حالة الفقر والعطالة التي تعيشها الآن، فالمساحات الزراعية والتي تقدر بملايين الكيلومترات المربعة كم ستستوعب من القوى العاملة، واستغلال الثروة المعدنية التي تزخر بها دول الاتحاد كم ستستوعب من الشباب الأمر الذي سيرفع من مستوى المعيشة في تلك المنطقة ويجعلها في مأمن من الأزمات الاقتصادية التي اخذت تضرب العالم كل حين، وهذا يجعل من عملة الاتحاد مقياساً حقيقياً للعملات حيث إن عملة الاتحاد ستكون نتاج انتاج حقيقي لا تتأثر بتقلبات البورصات كما يحدث عادة للدولار واليورو، فالعملة التي يغطيها انتاجها تظل قوية لا تتأثر بالمضاربات وعمليات الاحتيال التي درج على إجرائها قياصرة وول ستريت.. إنه نموذج اقتصادي مثالي يقدمه فلاديمير بوتن ليس للشعب الروسي فحسب إنما لكل شعوب العالم حوّل فيه الصراع الظالم على الموارد الى استغلال عادل لتلك الموارد ليفيد منها اصحابها الحقيقيون وينعم بقية العالم بها اقتصاداً ومثلاً يُحتذى. كما أن بوتن قدم للعالم نموذجاً اقتصادياً فهو أيضاً يقدم للذين يتقدمون لرئاسة بلادهم نموذجاً اقتصادياً لا يُلزم دولة بنهج سياسي معين فالشعوب حرة في النهج السياسي الذي تريد، كما قدم نهجاً اقتصادياً هو الذي يقود السياسة بعكس ما كان عليه الاتحاد السوفيتي وبعكس ما عليه الولاياتالمتحدة الآن. إنها نظرة ثاقبة لمستقبل روسيا والاتحاد والمنطقة كلها حيث سيشهد العالم اتحاداً اقتصادياً لم يشهده من قبل.