كان القيادي الجنوبي الذي ينحدر من قبيلة دينكا ملوال بولاية شمال بحر الغزال ... كان يدير استثمارات الحركة الشعبية بدول الخليج، وفي مطلع التسعينيات يجلس قرنق دينق أقوير على تل هائل من الدولارات بعد تحويل استثمارات الحركة الشعبية لمصلحته الشخصية، الأمر الذي يدفع د. جون قرنق حينها لملاحقته، ثم يهبط أقوير مطار الخرطوم معلناً انسلاخه من الحركة الشعبية وانضمامه للمؤتمر الوطني ليتم تعيينه والياً على ولاية شمال بحر الغزال مسقط رأسه، وهناك يمارس قرنق دينق حرفة تحويل الأموال العامة لمصلحته الشخصية وببراعة فائقة هذه المرة، وفي شارع الجمهورية كان «يُقلّب» هذه الأموال خلف مكتب يمارس من خلاله نشاط السفر والسياحة تحت اسم وكالة بوك.. ثم يشتري جميع ممتلكات مبارك الفاضل بالسوق الأفرنجي، ويشتري كذلك فندق فالكون... المهم في الأمر أن قرنق دينق يتمدد بشكل مخيف بعد توقيع الاتفاقية ليدير باقتدار استثمارات سلفا كير بجوبا، حيث يمتلك نصف فنادق مدينة جوبا في أقل من عام وبعد توقيع الاتفاقية مباشرةً، ورغم أن الرجل «يفهم في السياسة» كما يفهم في التجارة وتحويل الأموال لمنفعته الشخصية... إلا أنه لم يظفر طوال فترة تنفيذ الاتفاقية بأي منصب في حكومة الجنوب في وقت كان يتمتع فيه بعلاقة ممتازة مع سلفا كير ومستشاره الأمريكي روجر ونتر؛ ويبدو أنه لم يكن يرغب في مناصب تلهيه عن مساعي جمع المال وكان ذكاؤه يقوده إلى أن السلطة الحقيقة هي سلطة المال وحين يمتلك المال سوف تأتيه المناصب صاغرة !! وبالفعل... بعد إعلان الانفصال كانت وزارة الاستثمار بدولة الجنوب تركع تحت أقدام قرنق دينق، وبعد زيارة سلفا كير الأولى للخرطوم يدفع دينق بمقترح تأكيداً على أن سلطة المال هي السلطة الحقيقية، حيث يرهن خلال مقترحه مساعدة جوبا للخرطوم بإعادة مناطق أبيي وكافي كانجي وحفرة النحاس والردوم للجنوب. وفي وقت كانت الخرطوم تتابع فيه الانتشار السرطاني لقرنق دينق في جسد الحركة الشعبية واضعة في اعتبارها علاقته المتصاعدة مع ونتر، إلا أنها لم تكن تتوقع أن يخرج عليها قرنق دينق ب : «تأكيده أن الشمال يعاني من فجوة في العملات الصعبة نتيجة لخروج البترول وقدرها ب(10.4 ) مليار دولار للخمسة أعوام المقبلة، وبزعمه أن الخرطوم طلبت مساعدة الجنوب لسدها عبر تحمل 60% منها على أن تتحمل هي 40%، وتأكيده أن الطرفين من خلال النقاش اتفقا على أن تكون نسبة الفجوة التي حددها صندوق النقد الدولي في ميزان المدفوعات والمقدرة ب«1,7 » مليار دولار في العام هي الأساس للتفاوض، وذكره أن الجنوب طلب تحديد حجم الدعم المطلوب بالتفاصيل، مبيناً أن الاجتماع المشترك الأخير بين الدولتين لدى زيارة سلفا كير ميارديت تم الاتفاق خلاله على تفعيل اللجنة الخاصة بعائدات البترول التي سبق وأن تم حلها» ... والخرطوم حين يفاجئها دينق بحديث من بنات أفكار روجر ونتر... ترفض الشروط مؤكدة أنه سبق أن طرحها الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم وبالمعنى ذاته، قاطعة تمامًا بأن هذه الشروط المزعومة لم تزج في المباحثات الأخيرة... قرنق دينق أقوير إذن هو الذي يدير الحركة الشعبية الآن بسلطة المال الذي اكتسبه «سمبلة» وبدافع وتخطيط من المستشار الأمريكي... وهو الذي يطلب من سلفا أن يذهب للخرطوم مستجدياً، ثم يصوّر الخرطوم بأنها تستجدي، بعد أن يغرق وسائل الإعلام بأرقام مقنعة تجعل الخرطوم تلهث وهي تنفيها جملةً وتفصيلا.. وأخيراً يبقى أن نلفت الانتباه إلى أن المعركة القادمة... معركة يقودها المفسدون في الأرض، وإني لأرى الثعلب يهدي... ويسب الماكرين!