صعود الوزير الطيب حسن بدوي من مجلس الشباب والرياضة بحكومة الخرطوم ليشغل وزير الثقافة الاتحادي، له أكثر من دلالة، فهو من ناحية تمثيل للنوبة على وجه التحديد في الحكومة الاتحادية، وتمثيل لتكوينات جنوب كردفان بوضعها الجديد بعد عودة ولاية غرب كردفان إلى سابق عهدها. والطيب حسن بدوي لمع نجمه في الآونة الأخيرة، وساعده ملف الرياضة الساخن مع هلال مريخ والدوري الممتاز ولجنة تسيير الهلال واستحقاقات يوسف محمد وغيرها من عمل رياضي بكل تقاطعاته، ولكونه يمثل جيل الشباب الذي زحف بثقله من الحزب الحاكم ليحل محل الشيوخ في الحكومة.. فكل هذه الأشياء مكنته من الوصول بالسرعة الفائقة واختراق كل الحواجز حتى بات من الشخصيات المعروفة، فتجاوز بهذه المداخل صفوف قيادات جنوب كردفان والنوبة التي ظلت مرابطة مع المؤتمر الوطني، ومن بين هؤلاء اللواء جلال تاور وشقيقته المحامية عفاف تاور وإبراهيم نايل إيدام ومحمد مركزو وسليمان سلمان الصافي، فوجد نفسه ما بين نار قضية النوبة من جهة والثقافه من جهة أخرى.. وصعود الطيب له ما يكفيه من مبررات، فعنصر النوبة يمثل وجوداً مقدراً فى ولاية الخرطوم في منطقتي أمبدة والحاج يوسف، ونالوا بعض الدوائر الجغرافية على مستوى مجلس الولاية، بل حظيوا بمنصب نائب رئيس مجلس الولاية في شخص الأخت ماجدة نسيم.. فالنوبة بعد مغادرة الشهيد الراحل مكي علي بلايل المثقف والسياسي والمفكر المؤتمر الوطني بخلافاته في الرؤى مع قيادات الوطني التي أطرته ليكون حزب العدالة مع المحامي أمين بناني والجنوبي لام أكول، لم يقدموا شخصية في قامة بلايل تملأ فراغه خاصة بعد رحيله المفجع في صبيحة عيد الفطر من العام الماضي في حادث تحطم طائرة، حيث قصد الولاية مشاركاً المرابطين فرحتهم بالعيد في أعقاب الأحداث التخريبية التي شهدتها المنطقة من تداعيات «كتمة عبد العزيز الحلو» ومآلاتها، فتراجع الحضور السياسي للنوبة على الرغم من تحركات المحامية عفاف تاور عبر بوابة البرلمان، وتسمرت قيادات أخرى في انتظار منصب والي الولاية الذي ظفر به المهندس آدم الفكي، وما يعاب على النوبة أن طموحاتهم السياسية لا تتعدى سقف التنافس على والي الولاية، وتراجع رصيدهم من المبادرات في الشأن القومي كما كان يفعل مكي بلايل.. وحتى الذين عادوا في معية السلام لا تغادر أشواقهم محطة العمل السياسي في إطار الولاية، وخطورة هذا الانطباع العام أنه يخصم من رصيدهم القومي في إطار ترتيبات السودان ما بعد قيام دولة الجنوب المستقلة، فهذه الأشياء وغيرها تلقي على عاتق الوزير الطيب بدوي مهاماً جسيمة في ملف قضايا جبال النوبة الشائك والمعقد، والجدل المحتدم في التفاوض حول قضايا المنطقتين، ومدى القبول والرفض للأطروحات والمبادرات التفاوضية للملمة أطراف القضية وصولاً لسلام مع الأطراف التي تحمل السلاح من أبناء النوبة. والطيب بدوي من موقعه في الحزب لم يكن بعيداً عن تقاطعات هذا الملف، وترفيعه لوزير اتحادي ربما جاء لتفعيل عطاء أبناء جنوب كردفان في اتجاهات عديدة، من خلال إبراز الموروث الثقافي ومحاولة تعميمه.. فالثقافة كانت مدخلاً أسس عليه اندلاع النزاع المسلح في جنوب كردفان. الثقافة وزارة عانت من عدم الاستقرار، وطالتها عملية الدمج والاسترجاع لأكثر من مرة، وحتى الكادر مناط التكليف «مجهجه نفسياً» بسبب التجوال وعدم الاستقرار الإداري، بجانب ضعف الإنفاق على الثقافة المتأصل في متخذي القرار.. فقد ظل الإنفاق على الأنشطة الثقافية يأتي في مؤخرة الالتزامات الحكومية، وينظر له على أنه من الالتزامات الهامشية.. فالإنفاق على الثقافة مكلف والعائد منها ضئيل، ويضع الوزير في مواجهة الفشل إذا ما سعى للسير على خطى سلفه باختزال الأنشطة الثقافية في مهرجانات الغناء.