زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي المفاجئة للسودان ليست الأولى من نوعها، فزياراته دائماً نجدها غير معلنة، وكان من المقرر أن تتم في العاشر من الشهر الجاري، أسباب عديدة ربما عجلت بالزيارة لهذا التوقيت. وأوضح مراقبون أن هذه الزيارة تعد مؤشراً للتهدئة بين تشاد والسودان الجارين اللذين يتحاربان من خلال مجموعات متمردة في البلدين، والملاحظ تحسن العلاقات السودانية التشادية في الآونة الأخيرة ضروريا للتوصل إلى سلام في دارفور. ونعود لتفاصيل زيارة للرئيس التشادي للسودان في «يوليو» 2004 والتي التقى خلالها مع البشير في مدينة الجنينة. وكان البلدان وقعا في إنجمينا اتفاق تطبيع للعلاقات مرفق بمذكرة تفاهم لضمان أمن الحدود بين البلدين، وبما أن وتيرة الأزمة في دارفور تتفاقم يوماً تلو الآخر وفشلت كل الجهود المبذولة من قبل الحكومة لاحتوائها بواسطة الوساطة القطرية من خلال منبر الدوحة للحركات الدارفورية المسلحة، بيد أن الحكومة بدأت منذ اندلاع الأزمة بدرافور في تنفيذ الإستراتيجية الخماسية لنزع فتيل الحرب بدارفور، في هذا الأثناء برزت دولة تشاد كشريك فاعل في حل الأزمة بحكم الجوار المشترك بين الدولتين، إضافة إلى أن معظم الحركات الدارفورية المسلحة من قبيلة الزغاوة، والمعلوم انتماء الرئيس ديبي إلى الزغاوة أيضا ولكونه الأدرى والأقرب للتفاهم معهم، وأيضا لا ننسى الدور الفاعل الذي لعبه السودان في تركيز دعائم السلطة للرئيس التشادي ديبي والوصول إلى سدة الحكم في تشاد، ومن باب رد الجميل وبما أن دولة تشاد هي المتضرر الأول بمجريات الأحداث بدارفور من اقتتال، جاءت مبادرات عديدة من الرئيس التشادي إدريس ديبي لرأب الصدع بين الحركات المسلحة والحكومة، لعل آخرها المبادرة التي طرحها ديبي بأم جرس في حدود الطينة بين الدولتين. ووفقاً لمراقبين أن زيارة ديبي للسودان ربما للاطمئنان على سير خطى مسعاه خاصة أن الرئيس البشير قطع بأن منبر الدوحة هو الوحيد للتفاوض مع الحركات المسلحة، ومن أراد السلام عليه الالتحاق بالمنبر. يبدو أن للزيارة أكثر من غرض، وهذا ما أكده وزير الدولة بالإعلام ياسر يوسف أن زيارة الرئيس التشادي جاءت في توقيت بالغ الأهمية، وتأتي في إطار التعاون الأمني والسياسي بين الخرطوم وانجمينا نسبة للدور الذي لعبه ديبي في استتباب الأوضاع الأمنية في دارفور، موضحاً أن الزيارة مواصلة لمناقشة الموضوعات المهمة المتعلقة بالأمن في الإقليم كله وتأمين الحدود بين السودان وتشاد. وزاد أيضا لن تغيب عن طاولة المباحثات القضايا المتفجرة في إفريقيا الوسطى وبقية دول الإقليم عموماً وتأثيره على استقرار البلدين. وفي ذات السياق أشار القيادي الدارفوري مالك محجوب ل «الإنتباهة» إلى أن الرئيس التشادي إدريس ديبي قاد مبادرة في مدينة أم جرس التشادية مؤخراً وتحت رعايته حيث نقل اليه نفر من قبيلة الزغاوة للاجتماع به جاءت جل نتائج مقرراته على عكس اللجنة الأولى معززة ومكرسة سياستي الدمج أو الالحاق الحكومتين والمرفوضتين مسبقاً، والأدهى لازمها آجال للالتحاق بها مع تصريحات للرئيس التشادي فسرت على أنها حربية تهدف لإذعان وخضوع وخنوع قادة وثوار مسلحين من أبناء الزغاوة في صفوف الحركات المسلحة السودانية، وبالمرة حسم التمرد لاعتبار القبيلة هي السبب الرئيس في استمرار الحرب بالإقليم من وجهة نظر الحكومة، وهو اختزال مخل بجوهر القضية كاختزال القضية السودانية نفسها، مشيراً محجوب إلى أن الرئيس ديبي مارس في السابق عبر اتصالات مباشرة ضغوطا شديدة على حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور لحملها على التوقيع على اتفاق سلام نهائي بينها وبين الحكومة وأن الطرفين وقعا «7» بنود في نص مشروع أجندة التفاوض، وهي إطلاق سراح السجناء والعفو، ومشاركة حركة العدل والمساواة في السلطة ووضع حركة العدل والمساواة كحزب سياسي، والترتيبات الإدارية لدارفور، ووقف إطلاق النار وترتيبات الأمن النهائي، والعودة الطوعية للنازحين داخلياً واللاجئين وإعادة دمجهم، وتقاسم الثروة، وضمانات التنفيذ وآليات المراقبة وفض النزاعات. ما قام به ديبي وما تلاه من مبادرات حقيقية وملموسة ربما حدا بالرئيس البشير منحه هذا التفويض وجعله أهلاً بالثقة الى درجة تفويضه لحل أزمة دارفور، وربما قد يحقق نجاحاً فيما فشل فيه الآخرون والمنابر الدولية والإقليمية. ويرى المحلل السياسي الدارفوري الأستاذ عبد الله آدم خاطر ل «الإنتباهة» عن أن طبيعة العلاقة بين السودان وتشاد علاقة تكامل إقليمي ناتج عن أفق دولي مشترك، وله بُعد إقليمي، وما يحدث في إفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان والعلاقات الدبلوماسية المشتركة. وأشار خاطر إلى أن أبعاد الأزمة في السودان وخاصة أزمة دارفور أصبح مُحاطا باهتمام من المجتمع الدولي والإقليمي، وجعلت من الدوحة واستمرار الحوار منبراً لكل الحلول المتاحة تلك الجهود ضمن التسهيلات الإقليمية والدولية بشأن أزمة دارفور، وأي حديث عن إطار آخر ربما قد يكون مجاملة دبلوماسية بين الرئيسين.