كم سكبنا من الأحبار على الورق... متحدثين في حسرة على حال الأسر وما آلت إليه من تصدعات بنوعيها البنائي والنفسي... وقلنا ليس بموت أحد الأبوين أو كليهما يمكن أن يكون سبباً في ذلك التصدع إذا كانت الأسرة لها جذور ضاربة في الأخلاق والتماسك، لكننا لم نقر غير أنه تصدع فيزيقي «بنائي» بفهم العلم والعلوم، لأن الوالدين هما الركيزة الأولى في الخروج بالأبناء إلى بر الأمان.. لكن حين يحدث التصدع «السايكلوجي» أي فساد الجو النفسي للأسرة، فهذا هو المعضلة الحقيقية لإفرازات تلك الأسر السيئة التي تطل علينا نتائجها السالبة، حيث يظل المجتمع يكتوي بنيرانها كل صباح، ويتناقلها المجتمع في أسوأ صورها، مشوهاً إياه.. الذي مازالت فيه بقية سلوك متزن ومحافظ... وهذا الفساد النفسي للأسرة أن يكون الأبوان على قيد الحياة ولكن وجودهما كالعدم... لا مراقبة ولا متابعة ولا نصح ولا إرشاد يصدر منهما تجاه ما خلَّفا من أبناء يحتاجون لهذه الرعاية التي يجب أن تستمر حتى يتخطون مرحلة ما بعد «المراهقة» الحرجة... وظل الأب في غياب عن المنزل ظناً منه أن الأمور تسير كما يريد ويتمنى، وهو لا يدري أن الحياة السوية لا تأتي بالتمني... وانشغلت الأم بقضايا جانبية لا أثر لها إيجاباً على حياة ونشاط وسلوك الأبناء... فيروحون ضحايا لهذا الإهمال والغياب... وأحياناً إذا مرض لأحد الأبوين يأخذ المرض نصيبه من هذا الانحراف لدى الأبناء، فيجدون ضالتهم في هذا السن الخطرة لينخرطوا في ما يعرف ب «الشُلليَّة» والصحبة السيئة من الشباب في أعمارهم، وتتحمس عندهم الفكرة لإتيان ذلك السلوك المشين لإشباع غرائزهم وأهوائهم التي من المفترض أن تجد «الكبح» المناسب في الوقت المناسب.. ولا يتأتى ذلك إلا بالمتابعة والمراقبة لكل جديد يطرأ على حياة وسلوك أبنائهم.. والسؤال الدائم عن أصحابهم.. ومن يكونون وماهية سلوكيات أسرهم وما نوع تربيتهم... وما تراه أسرة فعلاً وسلوكاً عادياً تراه أُسر أخرى فعلاً مشيناً بالسهولة يمكن أن «يتلقفه» الشاب في سن المراهقة.. ظناً منه أنه يحقق به ذاته... ولا يدري لغياب الرعاية الأسرية أنه غير ذلك... طالما أنه لا يجد من يُسدي له النصائح المتكررة ويضع له متاريس السير إليها... «المجتمع أسرة» هكذا ظللنا نفهم طيلة حياتنا الطويلة.. فمتى صَلُحت الأُسرة صَلُحَ المجتمع والعكس صحيح.. ففساد المجتمع هو نتاج فساد الأُسر. العملية التربوية هي حلقات تبدأ بالأسرة وتنتقل للمدرسة ثم الجامعة فالمجتمع.. ولكل حلقة من هذه الحلقات دورها.. فلم تعد الأسرة تقوم في غالبيتها بدورها كما ينبغي، ولا المدرسة ظلت حريصة علي ذلك، ولا الجامعة من يظن دورها كبيراً خاصة من «يَلِجُون» فيها في سن تحتاج للضبط والربط وتصحيح المسار السلوكي للطالب بما تحتويه من المناهج من أصول وثقافات مفيدة تملأ فراغه بما يجب. وهذا الخلل الذي حدث في كل هذه الحلقات هو السبب الأساس في الذي يُجنيه المجتمع الذي يمثل الدولة... وأخلاق الدولة يُشكِّلُها هذا المجتمع ويعطيها صفة الاتزان أو غيره. تابعتم وتابعنا ذلكم الفيلم اللعين الذي أطلقه شاب طائش غير مسؤول على الهواء مباشرة هادماً به كل الأفكار التي تظن في المجتمع السوداني حتى اليوم خيراً.. مُشوِّهاً به سمعة مجتمع كامل.. وقاذفاً بفكرة وضيعة.. اشتراك ستة شباب في سن مراهقة قادتهم الصدف لارتكاب هذه الجريمة والاشتراك فيها... وهذا ما يحمد له أنها لم تكن جريمة «منظمة» تقرض الأخضر واليابس من شباب المجتمع، وتشوِّه صورة الآخرين منهم.. هكذا كنا سننظر إليها إذا كانت منظمة ووراءها مجرمون محترفون. أمن المجتمع بقيادة العميد الدكتور عامر عبد الرحمن «المهذَّب الخلوق» وتِيمِهِ العامل معه والذي يجعلنا نصرخ «اللَّه» لقد فلحت رئاسة شرطة الولاية أن وضعت الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذا يجعلنا نتمدد في الفكرة في شكر الفريق محمد الحافظ مدير شرطة هذه الولاية، بأنه استطاع قيادة هذه الشرطة بحنكة ومقدرة جعلت منه رجل المهام الصعبة، ويسانده اللواء صاحب المقدرة في فك طلاسم اللغات المحلية وغيرها اللواء محمد أحمد علي مدير إدارة الجنايات الذي كان وراء فك كثير من طلاسم الجريمة المعقدة بالولاية، حتى أصبحت كل القيود بدفاتر الأحوال تشير إلى هدوئها بعد تسديد بلاغاتها بالقبض على المجرمين وتقديمهم للعدالة... ليُصرِّح بعدها سعادة المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية أن الشرطة السودانية لا تُسدد بلاغاً ضد مجهول... فبذل الإخوة في الشرطة الأمنية وشرطة أمن المجتمع جهداً كبيراً مقدراً في فك طلاسم قصة الفيلم الشهير لأبشع جريمة اغتصاب تابعها المجتمع في اليومين السابقين بكل بساطة وهدوء، ولا نريد أن نخوض في التفاصيل، فأهل الشرطة هم خير من يقولون ويصرحون في هذا الشأن، ولكنا بوصفنا متابعين فقط نقول إن المتهمين تم القبض عليهم، فلتهدأ النفوس، ولتطمئن الأسر جميعها أن زمام الأمر مازال قوياً تقبض عليه أيادٍٍ شرطية نزيهة قوية مدركة مهمتها وعملها بصورة علمية متطورة.. التحية للشرطة الأمنية وهي تبلي بلاءً حسناً بصحبة شرطة أمن المجتمع في إراحتنا من هذا الهم الذي خيَّم علينا أياماً قلائل وكاد يقتلنا «هماً».