جاء قرار مولانا أحمد هارون والي شمال كردفان صائباً جداً وهو يقضي بإبعاد قوات لن يصدّق العالم أنها تابعة للقوات المسلحة خارج ولايته، بعد أن قام أحد أفرادها بإطلاق الرصاص على صاحب المتجر محمود عيسى الذي رفض أن يجبن ويسلمه ما طلبه منه تحت تهديد السلاح من مال لم يكن التاجر مديناً به للقتال. ولست هنا بصدد انتقاد هذا أو ذاك، فالدولة نفسها تفهم أين كان الخطأ وكيف كان، وكيف يمكن أن يكون الصواب لاحقاً. لكن على صعيد أعداء السودان، وعلى صعيد خصوم الحكومة من الحركات المتمردة التي فعلت ببعض أبناء هذا الوطن وممتلكاتهم الأفاعيل، ألم يجد أولئك الأعداء وهؤلاء الخصوم المبرر القوي لما يقومون به من تجاوزات مخلة بالأمن والاستقرار؟! وهل في ظل ما حدث في ولاية شمال كردفان أمس الأول حيث تم تشييع جنازة مقتول بدم بارد رفضت عشيرته العزاء فيه، هل تستطيع الدولة أن تقف بقوة في وجه الدوائر المتآمرة على البلاد خاصة المعشعشة داخل الكونغرس الامريكي الذي تصدر منه الاعتداءات على الدول المستضعفة؟! إن الصورة الحقيقية هي أن فرداً واحداً من قوات تسمى «الدعم السريع»، ويلقبها الناس بلقب عليه تحفظات في السابق أمام المجتمع الدولي هو لقب «الجنجويد»، قام بارتكاب جريمة مستغلاً فيها حمله للسلاح المفترض إنه يدافع به عن البلاد ويقاتل به الأعداء ولا يستعين به في النهب المسلح بغطاء القوات الدفاعية التي تتبع لها. إن قوات الدعم السريع ذات عقيدة دفاعية ولم تؤسس من أجل الهجوم، وإنما من أجل الدفاع عن المواطنين وممتلكاتهم. وإن أي فرد يقوم بتجاوز لحدود التوجيهات ينبغي أن يحاسب بمفرده، لأن مقولة «الخير يخص والشر يعُمُّ» تنتهي صلاحيتها بانتهاء التدريب في المعسكر، لكن أثناء الخدمة لا تزر وازرة وزر أخرى. هذا ما أراه هو المنطق الصحيح. لكن هل يرى المتمردون هذا المنطق هم ومن يدعمهم؟ كلا.. ستكون مثل هذه الحادثة ثغرة ينفذ من خلالها خصوم الحكومة باختلافهم لكسب الحرب الإعلامية ضد السودان. إذن ما المطلوب من الحكومة إذا كان هذا السؤال مشروعاً؟! المطلوب هو أن تلغي كل التسميات والصفات التي تُخلع على بعض القوات وإن كانت قوات دفاع عن المواطن وأرضه وعرضه وممتلكاته، ذلك لأن ترجمتها في سياق المؤامرات التي تحاك ضد السودان ليست من الصالح، ومن شأنها أن تفتح المجال لإعطاء المتمردين شرعية دولية يتمتعون من خلالها بجلب وكسب الدعم الذي يمكن أن يشكل لهم قوة مماثلة لقوة الجيش الشعبي.. وهو يدخل قاعة التفاوض عام 2002م. وكنت أتمنى أن تسمّى قوات المجاهدين بأسماء القوات وترقيمها في الجيش السوداني العظيم. فالآن كل القوات التي تدافع عن البلاد تخضع جميعها لرئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش، لكن تصويرها بكاميرات التآمر الدولية لا يكون هكذا. والأهم في الأمر هو ما رشح في الأخبار حول القبض على القاتل المنسوب إلى قوات الدعم السريع.. وهذا ينبغي أن تتبعه مراجعة عسكرية حتى لا تتكرر هذه الحادثة للمرة الثالثة.. نعم للمرة الثالثة لأن قتل التاجر هي المرة الثانية، أما المرة الأولى فقد ذكر أمير البديرية بشمال كردفان الزين ميرغني زاكي الدين أن هذه القوات سبق أن قتلت أفراداً من المحلية، وقال إنه رُفعت شكوى لقيادة الدولة دون جدوى باتخاذ قرار حاسم تجاههم. أي أن عدم الاكتراث لإمكانية تكرار الحادثة قاد إلى وقوع أخرى أمس الأول. ثم إن بعض المواطنين قالوا إن حوادث هذه القوات ظلت تقلق مواطني المنطقة قرية أم قرين وإنهم يمارسون النهب والترويع والقتل في حالة عدم الاستجابة لطلباتهم، ويقول:«فضلاً عن حالات الاغتصاب». وطبعاً الاغتصاب أسوأ من القتل. وهذه شهادة مواطن اسمه عبد الكريم عبد الرحمن وهو عم القتيل التاجر محمود.. وقد أدلى بذلك لصحيفة «أخبار اليوم». لكن نعود لقرار الوالي، وهو الأهم في هذا الوقت.. وقبل أن تبدأ محاكمة القاتل تحت أضواء الإعلام ليشاهد كل المجتمع الدولي استقلال القضاء السوداني في ظل الإرادة السياسية، لا بد من تنفيذ قرار مولانا أحمد هارون بإبعاد تلك القوات خلال الوقت الذي حدده. ولا بد أن يعرف العالم أن مولانا هارون يعمل في سياق الدفاع عن المواطن وليس عمن يقتل المواطن ويرعبه ويغتصب عرضه. ونصيحتي التي أسديها للحكومة هي ألا تكون هناك قوات، حتى ولو كان قادتها ضباطاً في الخدمة، ألا تكون بمسميات غير مسميات الجيش المحببة إلى نفوس السودانيين، مثل اللواء كذا والفرقة كذا وسلاح كذا.. وحتى قوات الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية ينبغي أن تحمل اسم اللواءات والوحدات. والجيش السوداني الآن ليس كما كان عام 1989م، فكله مجاهد، ولا حاجة لقوات حتى ولو قادها بعض ضباطه تصنف دونه بأنها مجاهدة.