هل يصلح العطار ما أحدثه الدهر من إفساد للأفكار وانتشار للفساد وغير ذلك من الآثار السلبية الناجمة كنتيجة حتمية للاستبداد؟ كان هذا هو السؤال الفوري والمحوري الذي فرض وطرح نفسه بالنسبة لي عندما تأكدت من دقة وصحة ما ورد في الأخبار خلال الأيام القليلة الماضية بشأن احتضان أحد الشيوخ الكبار للقاء مفاجئ اتسم بالدفء الحار بين الشيخ الكبير والحوار المثير والمدبر للكثير من الأفعال التي أثارها وأدارها وشارك فيها وقام بها بفعالية جاءت ناجحة ولافتة للأنظار في ما يتعلق بإثبات القدرة وإظهار الحكمة البالغة في التقدير والتدبير طوال الفترة الأخيرة المنصرمة من تاريخ الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة وتجربتها الراهنة والمستمرة والمتواصلة منذ وصولها إلى السيطرة والهيمنة المنفردة والمحكمة على سدة مقاليد الحكم والسلطة بعد قيامها بانقلاب ثوري مدني وعسكري في عام 1989م. وكما ذكرت فقد تأكد لي من مصادر أثق فيها ثقة كاملة ومطلقة وأطمئن إليها، أن اللقاء الدافئ والحار الذي تم بين الشيخ والحوار بمنزل أحد الشيوخ الكبار خلال الأيام القليلة المنصرمة قد شهد تبادلاً للأعذار ولا نقول الاعتذار عن كل ما جرى بينهما ومن جانبهما وقبلهما خلال المرحلة الماضية منذ الإقدام على القيام بما تسمى بالمفاصلة والمقاطعة بين القصر والمنشية في عام 1999م. كما تم خلال اللقاء الذي جاء بعد طول انتظار تبادل الأفكار حول ما يجرى في الوقت الحالي أو المرحلة الراهنة لتجربة السلطة الحاكمة القائمة، وكيفية المحافظة عليها، والعمل على تطويرها والانتقال بها إلى الدخول في مرحلة جديدة، وفتح صفحة مغايرة للصفحات السابقة كبديل لها، وذلك في سياق تغيير كبير يتم التدبير له بالتعاون والتنسيق والتشاور والتفاهم مع القوى الوطنية الأخرى في سبيل إقناعها بهذا كمصلحة وطنية وحضارية عليا ينبغي أن يتم الاتفاق عليها وإقرار الإجماع الوطني بشأنها والانطلاق منها كنقطة ارتكاز داعمة ل «الوثبة» المزمعة في إطار التفاعل والتعامل الإيجابي أو السلبي عندما يقتضي الحال مع القوى الخارجية الفاعلة والضاغطة والمؤثرة والمتأثرة والمتفاعلة والمتنافسة والمتسابقة والمتدخلة على الأصعدة الإقليمية والمستويات الدولية المحيطة بما يحدث لنا ولدينا في بلادنا وما يحدث حولنا في البلاد المجاورة، والأوضاع الماثلة والمماثلة في غيرها على المستوى العالمي والعولمة الجارية فينا ومن حولنا. وهكذا فقد دار الحوار في اللقاء الدافئ والحار بين الشيخ والحوار حول جدل الواقع والمثال، وكيفية الاستمرار في التقريب بينهما، والاستفادة في ذلك من العبر والدروس المستخلصة من الأطوار المختلفة للسلطة القائمة وتجاربها في المراحل السابقة. وقد تم الاتفاق بناءً على مثل هذه الرؤية العميقة والخبرة العريقة والممارسة المخضرمة والآمال والآفاق البعيدة المدى على وجود أهمية وضرورة ملحة لوضع حد للقطيعة أو المقاطعة والمخاصمة السابقة المتراكمة بين شيخ الحركة الإسلامية وملهمها ومرشدها والقيادة العليا لسلطتها الرسمية الحاكمة للدولة، والعمل من أجل المساعدة على إخراجها من المأزق الحالي للدولة والحركة والحزب الحاكم، أو ما يسمى بالحاءات الثلاثة المتداخلة والفاعلة والمتفاعلة. فهل ينجح الشيخ ويفلح الحوار مرة أخرى في إعادة المياه إلى مجاريها؟ أم أن هذا قد أضحى في عداد المستحيل وغير الممكن بعد المياه الكثيرة التي جرت وعبرت تحت الجسور وغمرت من غمرت وأغرقت من أغرقت، ولم ينج من هذا ويبقى قادراً على الصمود ومؤهلاً لذلك إلاّ من رحمهم ربهم بفضله وهم قليل من كثير على ما يبدو والله أعلم. وعلى العموم فإن الاجابة ستبقى مفتوحة ومعلقة ومتعلقة بما قد يحدث ويترتب على التطورات المقبلة ل «الوثبة» المزمعة و «المفاجأة» المنتظرة في المشروع الإصلاحي المطروح دون تفصيل وتفعيل كامل وكاف حتى الوقت الحالي من جانب حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحكومته. لكن السؤال هو كيف ينظر الشيخ للمثال؟ وكيف يرى السبيل للتقريب بينه وبين الواقع الحالي في إطار الفقه السياسي الإسلامي؟