هاتان المفردتان العظيمتان«عقيدة وكفاح» عنوان لمقالٍ كتبه منذ عقود مضت الشهيد سيد قطب رحمه الله يتحدث فيه أن الإخوان تركوا الخطابة والكتابة وتوجهوا إلى ميدان الجهاد، نقل هذا المقال أستاذي العلامة الأديب بروفيسور صالح آدم بيلو في كتابه الرائع «أشْتَاتٌ مُجْتَمعَاتٌ» الصادر حديثاً، حيث نرى اليوم ونشاهد محنة الإخوان في مصر ونسمع أحاديث بعض أبواق الإعلام المصري عن خيانة السيسي ومحمد إبراهيم وانقلاب العسكر على الشرعية الدستورية، ومجزرة الشعب المصري في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وصدور البيان الغريب بأن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وقيام «الهر» ليحكي صولة الأسد، وقيام ذاك السفيه الجاهل الذي قام ليقول السيسي ومحمد إبراهيم من رسول الله وما يعلم جنود ربك إلاّ هو!! وبعض أقزام الأزهر صاروا أبواقاً وحجاباً على أبواب الجناة القتلة. ويبقى الإخوان في الميدان والسجن والجامعة والشارع والوجدان العام يملأون الدنيا عزيمة وبطولة وصموداً، حين ندرك كل هذا نجد كأنما الشهيد سيد قطب قد كتب هذا المقال اليوم، يحلل هذا الذي يجري في مصر لا الأمس إنها نبوءة محلل ألهم رشده، رحم الله الشهيد سيد قطب، ومتع الله بالسلامة والعافية أستاذي أستاذ الأجيال بروفيسور صالح آدم بيلو أبو أنس فإلى المقال.. عن أيام المقاومة السرية في قناة السويس والاحتلال البريطاني حيّا الله الإخوان المسلمين.. لقد تلفتتْ مصر حين جدّ الجِدّ، وتحرّج الأمر، ولم يعد الجهاد هتافاً وتصفيقاً، بل عملاً وتضحية، ولم يعد الكفاح دعاية وتهريجاً، بل فداءًَ واستشهاداً. لقد تلفتت مصر، فلم تجد إلاّ الإخوان حاضرين للعمل، مهيئين للبذل، مستعدين للفداء، مدربين للكفاح، معتزمين الاستشهاد. لقد تركوا غيرهم يخطبون ويكتبون، أما هم فذهبوا فعلاً إلى ساحات الجهاد. ولقد تركوا غيرهم يجتمعون وينفضون، أما هم فقد حملوا سلاحهم ومضوا صامتين. غيرهم حاول أن يأخذ طريقه إلى العمل، ويحاول أن يبدأ بالفعل في التدريب. أما هم فكانوا وحدهم عدة مصر المهيأة، عدة مصر الحاضرة، عدة مصر العاملة، عدة مصر التي أعدت نفسها للجهاد، فلبَّت منذ اليوم الأول داعي الجهاد. ومع بروز هذه الحقيقة، فإن بعض السفهاء شرعوا أقلامهم ليحاربوا الإسلام. وبعض التافهين شرعوا ألسنتهم للنيل منهم. ومن عجب أن تكون دعوى السفهاء والتافهين أن الإخوان يتحدثون عن القرآن الكريم والمعركة دائرة في الميدان، الميدان الذي لم يقتحمه حتى اللحظة إلاّ الإخوان! إن الصغار المهزولين لا يدركون روح الإسلام، التي يسير على هديها الإخوان. إن أرواحهم الهزيلة الضئيلة المدغولة لا يمكن أن ترتفع وتتسع لتشرف على تلك الآفاق العالية. إنهم لا يؤمنون بألا كفاح بلا عقيدة، وإن أصحاب العقيدة هم الذين يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع. وأن الواقع العملي يؤيد هذه الحقيقة. وأن الإخوان هم وحدهم اليوم في الميدان، لأنهم هم وحدهم أصحاب أضخم عقيدة تدفع بالمؤمنين دفعاً إلى الميدان. إن الوطنية الحارة المتحمسة قد تدفع بأصحابها إلى النضال، وإن العدالة الاجتماعية الثائرة قد تدفع بأصحابها إلى الكفاح.. ولكن هذه أو تلك لا تزيد على أن مطلبها قريب، وأفقها محدود أما أصحاب العقيدة في الله على طريقة الإخوان فمطالبهم أكبر وآفاقهم أشمل. إنهم يطلبون العزة للإنسان كافة، فهم أشد حماسة للوطن من حماسة الوطنيين المحدودين، وإنهم يطلبون العدالة في كُلّ مجال، فهم أشد حماسة للعدل الاجتماعي من كل إنسان. ثم إن لهم بعد هذا وذلك، أفقهم الأعلى والأكرم والأشمل، لأنهم يعملون لإعلاء كلمة الله في الأرض، ولأنهم يصلون أنفسهم بالله في كل خلجة، ولأنهم يرجون عند الله أكبر مما ينفقون في سبيل الله: أكبر من المال، وأكبر من النفس وأكبر من الحياة. إنهم جنود الفداء كلما دعاهم داعي الفداء.. وحيثما دعاهم داعي الفداء.. إنهم باعوا أنفسهم لله منذ اشترى نفوسهم الله. «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» وما كان لسفاهة سفيه، ولا للمزة جاهل، أن تنال من أصحاب عقيدة في الله، حاربتهم ملة الكفر كلها، وحاربهم الاستعمار متجمعاً، وحاربتهم الإقطاعية متكتلة، وحاربتهم الرأسمالية ظالمة، وحاربتهم الشيوعية متجنية، وحاربهم الخبث والفساد والشر والرذيلة جميعاً.. ثم ارتدت عنهم جميعاً: ارتدت محطمة خائبة خاسرة، لأنها كلها من قوى الأرض، وهم عائذون بقوة السماء. ولأنها كلها من عالم الفناء وهم عائذون بعالم البقاء. لقد صحت الأمة الإسلامية بعد طول سبات، ولو كانت إلى فناء وموت ما استيقظت من سبات. لقد صحت بعد نوم طويل، فليس من سنة الحياة أن تنام من جديد، لقد صحت لتحيا وصحت لتنمو، وصحت لتنفض عنها الأوشاب والأخلاط. وإذا كانت الأمة الإسلامية لا تزال تتعثر، ولا تزال تكبو ولا تزال تضطرب. فتلك هي اختلاجة الحياة الجديدة، لا سكرات الموت، ولا صراعات الداء. تلك هي علائم الصحو واليقظة بعد نوم طويل وهمود، والمستقبل لها، والدلائل كلها تشير إلى هذا المستقبل. إنه لا كفاح بلا عقيدة، ولا حياة بلا عقيدة، ولا إنسانية بلا عقيدة. ولقد كنا نقولها كلمات فيتخذها السفهاء الصغار لعباً ولهواً. أما اليوم فتقولها الوقائع، وتقولها الأحداث. فإذا تشدّق لسان تافه، وإذا تلاعب قلم هزيل، فتلك هموم التافهين المهزولين في كل زمان وفي كل مكان. والله أكبر، والمستقبل للإسلام... قارن أخي القارئ الكريم بحال مصر اليوم وما يفعله الإعلام الفاسد والبلطجية والعسكر وما كتبه الشهيد سيد قطب رحمه الله.