إن حق التعليم كفله الإسلام للمرأة وحثّ على أدائه إلا أنه لم يكن مطلقاً عن أي قيد، فالعلم الذي حثّ الإسلام على تعلمه هو العلم النافع، والنفع يكون في الدنيا والآخرة، كما أن الحصول على العلم يجب أن يكون بالوسائل الشرعية، أما التعليم عن طريق الدراسة المختلطة فإن الشريعة الإسلامية قد منعت وحذرت منه بعموم النصوص الشرعية التي وردت في التحذير من اختلاط الرجال بالنساء، وهو الاختلاط الذي يكون في أماكن العمل والدراسة وما يبقى فيه الرجال والنساء على تواصل ولأوقات طويلة، فإن هذا من محرمات الشريعة الإسلامية، والمقاصد الشرعية في تحريم هذا الاختلاط لا تخفى فإن مفاسده عظيمة أوضحها وأنقد هذه المادة من الاتفاقية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية. فإن الإسلام لمّا حرّم الاختلاط بين الرجال والنساء في التعليم وفي العمل فإنّ مقصدها إغلاق باب الفتنة بقرب الرجال من النساء وسد باب الفواحش. عن أبي أسيد الأنصاري «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ»، يقول الراوي: «فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ» رواه أبو داود وحسنه الألباني. وعن عقبة بن عامر أن رسول الله قال: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ. قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ»رواه البخاري والحمو: هو قريب الزوج من غير المحارم للمرأة. وقال أبو داود في سننه: «باب: اعتزال النساء في المساجد عن الرجال» ثم ساق بسنده حديث ابن عمر قال: قال رسول الله: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ». وقال النبي: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ» قَالَ نَافِعٌ مولى عبد الله بن عمر: «فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ» رواه أبو داود وصححه الألباني. ثم قال أبو داود: «باب انْصِرَافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاَةِ» ثم ساق بسنده حديث أم سلمة قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا سَلَّمَ مَكَثَ قَلِيلاً وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ كَيْمَا يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ» رواه أبو داود ورواه البخاري بألفاظ مقاربة. وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن النبي قال: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» رواه مسلم. قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: «وإنما فُضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال؛ لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك ، وذُم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم». وقال ابن قيم الجوزية في كتابه «الطرق الحكمية» موضحاً مقاصد الشريعة في منع الاختلاط: «ولاريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة؛ كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين...» إلى أن قال رحمه الله تعالى: «فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيئاً منعاً لذلك». وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه «الشرح الممتع على زاد المستقنع» مبيناً الآثار السيئة للاختلاط بين الجنسين: «.... وفي هذا دليل واضح جداً على أن من أهداف الإسلام بعد النساء عن الرجال، وأن المبدأ الإسلامي هو عزل الرجال عن النساء خلاف المبدأ الغربي الكافر الذي يريد أن يختلط النساء بالرجال، والذي انخدع به كثير من المسلمين اليوم، وصاروا لا يبالون باختلاط المرأة مع الرجال، بل يرون أن هذه هي الديمقراطية والتقدم، وفي الحقيقة أنها التأخر؛ لأن اختلاط المرأة بالرجال هو إشباع لرغبة الرجل على حساب المرأة، فأين الديمقراطية كما يزعمون؟! إن هذا هو الجور، أما العدل فأن تبقى المرأة مصونة محروسة لا يعبث بها الرجال، لا بالنظر ولا بالكلام ولا باللمس ولا بأي شيء يوجب الفتنة. لكن لضعف الإيمان والبعد عن تعاليم الإسلام صار هؤلاء المخدوعون منخدعين بما عليه الأمم الكافرة، ونحن نعلم بما تواتر عندنا أن الأمم الكافرة الآن تئن أنين المريض المدنف تحت وطأة هذه الأوضاع، وتود أن تتخلص من هذا الاختلاط، ولكنه لا يمكنها الآن فقد اتسع الخرق على الراقع.. لكن الذي يؤسف له أيضاً من يريد من المسلمين أن يلحقوا بركب هؤلاء الذين ينادون بما يسمونه الحرية، وهي في الحقيقة حرية هوى، لا حرية هُدى، كما قال ابن القيم رحمه الله : هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان فالرق الذي خلقوا له هو: الرق لله عز وجل، بأن تكون عبداً لله، هؤلاء هربوا منه، وبلوا برق النفس والشيطان، فصاروا الآن ينعقون ويخططون من أجل أن تكون المرأة والرجل على حد سواء في المكتب، وفي المتجر، وفي كل شيء، ولا شك أن هؤلاء أشهد بالله أنهم غاشون لدينهم وللمسلمين؛ لأن الواجب أن يتلقى المسلم تعاليمه من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح، ونحن إذا رأينا تعاليم الشارع الحكيم محمد صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه يسعى بكل ما يستطيع إلى إبعاد المرأة عن الرجل، فيبقى الرسول صلى الله عليه وسلم في مصلاه إذا سلم حتى ينصرف النساء من أجل عدم الاختلاط، هذا مع أن الناس في ذلك الوقت أطهر من الناس في أوقاتنا هذه، وأقوى إيماناً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» رواه البخاري ومسلم. فالإسلام حريص جداً على جلب المصالح ودرء المفاسد وغلق الأبواب المؤدية إليها، ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمة وفساد مجتمعها كما سبق؛ لأن المعروف تاريخياً عن الحضارات القديمة: الرومانية واليونانية ونحوهما أن من أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها هو خروج المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال ومزاحمتهم مما أدى إلى فساد أخلاق الرجال، وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي.. وانشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل وخسران الأمة، وعدم انسجام الأسرة وانهيار صرحها، وفساد أخلاق الأولاد، ويؤدي إلى الوقوع في مخالفة ما أخبر الله به في كتابه من قوامة الرجل على المرأة. وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسؤوليات عامة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري في صحيحه. ففتح الباب لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال يعتبر مخالفاً لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها. فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها الأصيل، وقد ثبت من التجارب المختلفة وخاصة في المجتمع المختلط أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطرياً ولا طبيعياً، فضلاً عما ورد في الكتاب والسنة واضحاً جلياً في اختلاف الطبيعتين والواجبين. والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف المنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين بالرجال، يجهلون أو يتجاهلون الفوارق الأساسية بينهم. إن أصل عمل المرأة في الشريعة الإسلامية مشروع وجائز، ولكن بضوابط من أمن الفتنة وعدم اختلاطها بالرجال وألا تخرج متبرجة وأن يأذن لها الولي وألا يتنافى العمل مع طبيعتها وأنوثتها لأن للمرأة تركيباً خاصاً يختلف عن تركيب الرجل وإن المآلات الفاسدة والمحاذير المترتبة على مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله كثيرة منها: الاختلاط المحرم وضياع الأولاد والوقوع في الفاحشة والتفكك الأسري وكثرة حالات الطلاق وتعطل كثير من الرجال عن العمل لأن المرأة تحتل مكانه، إلى غير ذلك من المفاسد المحظورة والمآلات الممنوعة التي تترتب على مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله، والتي قصدت الشريعة في أهدافها السامية إلى رفعها ودفعها. وفي الحلقة التالية إن شاء الله أبيّن اعترافات الدراسات الغربية بأضرار التعليم المختلط ودعوتها لفصله.