منذ العام (1958م) وحتى تاريخ اليوم لم تجد قضية «حلايب» الاهتمام الذي تستحقه من قبل كل الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في السُّودان فقد تركها الرئيس الراحل/ إبراهيم عبود تركة ولكنها ثقيلة لحكومة أكتوبر بقيادة سر الختم الخليفة ثم حكومة الأزهري ثم جعفر محمد نميري وبعده جاءت حكومة الفترة الانتقالية بقيادة سوار الذهب ثم حكومة السيد/ الصادق المهدي وها هي حكومة الإنقاذ الوطني تنظر لهذه القضية من ذات النافذة التي كانت تنظر بها كل الحكومات السابقة لهذه القضية ولا يعلم أحداً مقدار المعاناة التي يرزح تحتها سكان مثلث حلايب إذ يخضعون لإجراءات قاسية في الدخول لهذا المثلث عبر بطاقة تصر الإدارة المصرية على أن تكون بحوزة من يود الدخول لمثلث حلايب ولا يمكن لأحد الخروج مرة أُخرى دون أن تكون بحوزته تلك البطاقة وهي بزمن محدد لا يتجاوز أكثر من أُسبوعين وبسبب من هذه الإجراءات القاسية توفيت الكثير من النساء الحوامل واللائي أردن العودة بعد انقضاء أجل البطاقة ولا سبيل سوى العودة على ظهور الجمال في رحلة محفوفة بالكثير من المخاطر بسبب مشقة السفر بين هضاب الجبال الشاهقة وهناك الكثير من الأمثلة التي تدل على معاناة الناس في تلك المنطقة وحين تريد إحدى النساء الحوامل الذهاب إلى أهلها في المثلث لوضع جنينها هناك يبطل أمد البطاقة القصير أي أمل لها في العودة مرة أخرى إلا بتسلق الجبال الشاهقة على ظهور الجمال وهي تحمل بين يديها مولودها الرضيع، وهناك الكثير من الطلاب ممن يذهبون بموجب هذه البطاقة وحين ينتهي أجلها لا يجدون من سبيل سوى العودة عبر طريق الموت بين الهضاب والتلال، وقد ظلت «حلايب» ومنذ العام (1958م) هي القضية السياسية الوحيدة التي أعيت من يداويها من حكام السودان وفي بدايات حكم الإنقاذ الوطني طلبت الحكومة من مكونات الإدارة الأهلية بالشرق عدم الخوض في مسألة حلايب أو إثارتها؛ لأن الحكومة في ذلك الوقت لا تريد فتح جبهة باتجاه الشمال لأنها تخوض حرباً في الجنوب، وقد ارتضى أهل الشرق وبخاصة قبائل البشاريين هذا الحل وانتظروا حتى تتفرغ الحكومة بعد الانتهاء من الحرب في الجنوب لوضع معالجة لمشكلة حلايب. انتهت الحرب في الجنوب وجرى الاستفتاء حول تقرير المصير وظهرت للوجود دولة في الجنوب بما يعني أن الحرب قد انتهت فماذا حدث؟ طلبت بعض الجهات النافذة عدم إثارة موضوع حلايب لأن الثورة التي أتت بالدكتور/ محمد مرسي ينبغي تهيئة الأجواء لها حتى تتمكن من القضاء على آثار عهد الرئيس/ حسني مبارك ومن بعد ذلك يمكن مناقشة أمر حلايب في الإطار الودي وغني عن القول أن الدكتور/ محمد مرسي لم تتح له الفرصة الكافية حتى يبحث عن حلٍ ودي بل هو الآن يبحث عن حل يخرجه من غياهب السجن، إذن الإهمال من قبل الدوائر الرسمية بالدولة لموضوع حلايب هو الذي جعل قضية حلايب مسألة مجهولة المصير وبسبب من هذا التراخي أصدر رئيس الوزراء المصري «حازم الببلاوي» قراراً بتحويل حلايب إلى مدينة وذلك بإقامة عشرة مدارس جديدة بجانب المنشآت المصرية السابقة والتي أضحت مثل المستوطنات الإسرائيلية في ازدياد وتوسع غير آبهة بكرامة الآخرين وسيادتهم على أرضهم وأذكر بهذه المناسبة أننا تقدمنا ببعض المقترحات لتكون «حلايب» و«الفشقة» على طاولة الحوار الذي جرى في مدينة «أسمرا» بين وفد الحكومة وجبهة الشرق وقلت وقتها إن لم تجد «حلايب» أو «الفشقة» سنداً في وثيقة أسمرا لسلام الشرق سوف يكون الطريق إلى حلها محفوفاً بالكثير من المخاطر ولن يتحقق الاستقرار في الشرق دون حسم قضيتي «الفشقة» و«حلايب» وهنا تصدى لي من يقول إن الوسيط الإريتري يتحسس من إدراج موضوع «الفشقة» لأنها تقع في الحدود بين السُّودان وإثيوبيا والعلاقة بين إثيوبيا وإريتريا ليست على ما يرام والحل هو أن نبحث عن حل لقضية «الفشقة» مع إثيوبيا عبر اللجنة الوزارية السودانية الإثيوبية المشتركة، ولقد أحسن صديقي الظن بإثيوبيا فقد شرعت اللجان المنبثقة عن اللجنة الوزارية المشتركة في ترسيم الحدود بين الدولتين ووضع العلاقات ثم بعدها يشرع الطرفان في تحديد المناطق المتنازع عليها وتحديد تبعيتها، إذن «الفشقة» على الطريق الصحيح فماذا نقول عن حلايب بعد التصعيد الذي مارسته الحكومة المصرية لتمصير معالم المنطقة ولم نسمع أي احتجاج رسمي من قبل الحكومة السودانية في التصرفات التي بادرت بها «القاهرة»، أما لحلايب من بواكٍ!