صلاح مختار: الحشود الجماهيرية التي خرجت من محليات القطاع الشرقي بولاية جنوب كردفان في الترتر بمحلية التضامن ومحلية رشاد ومنطقة كابوس وتلودي وكلوقي وأخيراً أبو جبيهة، كان تعبيراً خاصاً عن رغبة كامنة وحقيقية لمواطني جنوب كردفان في السلام والتنمية والاستقرار، وإذا كانت الحرب قد شردت الآلاف وتركت آثارها على الأرض من مظاهر الهجرة والقرى المهجرة بفعل الحرب والمدارس الخاوية والأطفال المشردة، ومن خلال نظرات يطلقها أبناء وبنات صغار يحلمون بغد جديد، فإن مواطني جنوب كردفان يحلمون بوطن خالٍ من الصراعات وينعم بالاستقرار، وليس أدل على ذلك من حديث كثير من الناس هناك عن السلام هو الذي دفع بمواطني منطقة كابوس التي كانت تحت رحمة الحركة الشعبية إلى الانحياز إلى خيار السلام والخروج مبكراً عن الحركة الشعبية. ولأن السلام والتنمية يمثل حاجزاً يؤرخ الجميع فإن معظم مخاطبات المسؤولين هناك عن ضرورة وقف الحرب مهما كلف ذلك من ثمن، وربط أولئك بالتنمية المفقودة في الولاية وربما ذلك كان دافع والي الولاية المهندس آدم الفكي الذي جاب المناطق الشرقية بحثاً عن السلام وطمأن المواطنين على أن السلام قادم، حيث قال إن الحركة تقاسمت معنا الحكم مرة ولكنهم آثروا الخروج والتمرد على الحكومة. وأكد الوالي لدى مخاطبته المواطنين بأن التمرد هو السبب الرئيس في وقف التنمية بالولاية، وأشار الفكي خلال كلمته في الترتر إلى أن التمرد الذي تقوده الحركة الشعبية قطاع الشمال هو السبب في وقف التنمية في الولاية وتساءل من الذي أوقف العمل في الطريق الدائري، ومن الذي اختطف وقتل المهندسين والفنيين الذين يعملون في تلك الطرق؟ ومن الذي يعمل على ترويع المواطنين حتى أفقدهم أهم مقومات الحياة؟ ولذلك أكد الوالي أيضاً خلال مخاطبته الجماهير في أبو جبيهة ومناطق أخرى، بأن أبناء كردفان قادرون على التعبير عن أنفسهم دون وصاية من أحد أو الحديث نيابة عنهم، وأكد أن عرمان لا علاقة له بالمنطقة فكيف يتحدث عن قضاياها، وأكد أن الحركة دمرت النسيج الاجتماعي للمواطنين، ودعا الفكي إلى وحدة الصف الداخلي من خلال رتق النسيج الاجتماعي والعمل على تفعيل الدور الأهلي في إقناع أبناء الولاية في الطرف الآخر من التمرد بالعودة إلى الوطن، وشدد بأنه في الفترة المقبلة ستتمايز الصفوف. وقال «ما عاوزين كراع بره وكراع جوه» وقال الفكي إن السلام هو الخيار «إذا جاءوا حبابهم عشرة وإذا أبو فالقوات المسلحة مستعدة لإكمال عمليات الصيف الساخن»، وأضاف «السلام إذا ما جاء بالحناسة نجيبه بالرجالة ومن اليوم وصاعداً ما في نص نص والداير يمشي عديل كلامه مع الحكومة». لقد ظلت المنطقة الشرقية بجبال النوبة تعاني من عصابات التمرد حتى استفحل أمرها وعظم مكرها في مناطق معينة، ولكن للقوات المسلحة وخاصة الفرقة «14» اللواء «53» مشاة التي يقع على عاتقها الدفاع عن تلك المنطقة بأبوجبيهة، كلمة أخرى، فقد تعهد قائد الفرقة اللواء عبد الهادي عثمان أمام الحشود التي جاءت لتخريج أبنائها المقاتلين في صفوف القوات المسلحة من الدفعة «14» أن عمليات الصيف الساخن التي بدأت مرحلتها الأولى بانتصارات ساحقة ومتلاحقة على التمرد ستكمل تلك الوثبة بالمرحلة الثانية من عملها ورفع التمام قبل إكمال التفاوض الذي يجريه السياسيون مع قطع الشمال حول المنطقتين في أديس، وقال إن التفاوض مع هؤلاء يتم عبر الدبابة والراجمة والدوشكا والتي ستكون الحاسمة، وقال «سنجيب السلام قبل السياسيين». ولكن قضية جنوب كردفان كما يرويها أهلها أكبر عندما تتعلق بمعاش الناس، وقال لي أحد التجار وهو يبيع عسل النحل الجبلي فضل عدم ذكر اسمه بمدينة رشاد، قال كل شيء تغير ليس مثل زمان، فالحرب خربت ودمرت الطريق وهو يعني توقف العمل به وتوقفت التجارة، وأضاف «نحن ما عارفين وراء الجبل في شنو»، ويشير إلى أنه كان يعبر تلك الجبال من أجل الحصول على المنتوج ولكن توقف الآن بفعل التمرد، وأكد أنهم سئموا الحرب وانقطاع الطريق وهجير الشمس وطول الانتظار لفرج قريب، وقال لا أحد يريد الحرب فقدنا الكثير. وربما هذا الرأي لا يختلف عن بقية آراء أهل السوق المتواضع بالمنطقة ولا يختلف عن المغني الذي أنشد للسلام الذي يريده أن يرفرف بالمنطقة. إذن كما قال لي أحدهم في أبو جبيهة إذا خُيرنا سنختار السلام. ولم يكمل، ربما الإجابة تراها في وجوه المواطنين الذين تدافعوا للقاء والي الولاية المهندس آدم الفكي الذي طاف لمدة «5» أيام المناطق الشرقية ليس حباً فيه فحسب، وإنما استفتاء رغبتهم في السلام في المرحلة المقبلة. فهل يفعلها السياسيون أم يتكفل بها العسكريون لننتظر لنر ماذا تفعل الأيام.