الصدفة وحدها هي التي قادتني لأكون ضمن ركاب أحد بصات الولاية المتجه من موقف الشهداء أم درمان صوب الخرطوم لأكون شاهدة على هذا الحدث، وكان الهدوء سيد الموقف وفجأة شق ذلك السكون صوت مناقشة وجدال عاليين وكان مصدرهم المقاعد الخلفية للمركبة وعندما استطلعت الأمر تبيّنت أن الجدل بين الكمساري وفتيات طالبات «برلومات» أتين للخرطوم لأول مرة، وتعود تفاصيل تلك المجادلة إلى أن الكمساري طالب الفتيات بقيمة التذكرة فما كان منهن إلا أن طالبنه بإرجاع «الباقي» وأكدن أنهن دفعن له مبلغ «50» جنيهًا وأصرّ الكمساري على رأيه وأوضح لهن أنه إذا كان ذلك فعلاً ما حدث فعليهن إبراز التذكرة والتي عادة ما يكتب عليها قيمة المتبقي من المبلغ وهن لم تكن معهن تذكرة من «الأساس» فأوضحت إحداهن أنها «دفعت» المبلغ لفتاة كانت تقف بجوارهن أعتقادًا منهن أنها الكمساري!!! وأضافت قائلة: «أنا والله قايلة الكمساري بت في بصات الخرطوم» ووصفت للكمساري هيأة الفتاة بأنها ترتدي طرحة بُنية اللون وتضع على عيونها نظارة شمسية كبيرة وأثناء ذلك الجدل الحامي تدخل أحد الركاب وهو رجل وقور وفي «الستينيات» وأمّن على حديث الفتاة وقال إنه شاهد الفتاة المعنية أثناء مغادرتها للبص وكيف أنه كان يبدو عليها الارتباك مما حدا بالرجل متابعتها بأنظاره حتى استقلت عربة «هايس» وأضاف أنه بإمكانه التعرّف عليها فما كان من سائق البص إلا وأن قام بمطاردة الهايس واعترض طريقها على طريقة «أفلام الآكشن» وأشار إلى صاحبها بالتوقف وكانت المفاجأة!! أنه بالفعل الفتاة الكمساري كانت ضمن الركاب والمؤسف حقًا أنها فتاة في مقتبل العمر ويبدو على ملامحها أنها «بت ناس» وعند توجيه التهمة المنسوبة إليها لم تدافع عن نفسها واكتفت بإدخال يدها في حقيبتها واستخراج مبلغ الخمسين جنيهًا.. وبطيبة السودانيين وسماحتهم تمّت تسوية الموقف وديًا.. وسادت موجة من الضحك ممزوجة بالاستنكار وسط الركاب في المركبتين والسبب طرافة الموقف واعتقاد الطالبات «البرلومات» أن الكماسرة في بصات الخرطوم فتيات..