اللهم أنقذ الإنقاذ من أهل الإنقاذ.. فقد أوشك أهل الإنقاذ أن يعجزوا عن إنقاذ الإنقاذ.. وعن إنقاذ أنفسهم.. بعد أن جاءوا لإنقاذ أهل السودان.. أنظر إليهم يتعلقون بالقشة في موج كبواتهم المتلاطمة والقشة تأبى عليهم وتتمنع وهي أرغب منهم في الحكم . مع أن الإنقاذ لم تتعلق بقشة واحدة أو قشتين، فقد جمعت حولها يومذاك رجالاً لا تلهيهم معارضة ولا تآمر عن طلب الحكم.. ولا عن الرجوع مائة وثمانين درجة عن مقالاتهم ومواقفهم من الإنقاذ.. وأرجو أن يعودوا لبعض هذه الدرجات من مواقفهم وأقوالهم في الأصل الشرعي للحكم بل وللأصل الشرعي في عذاب القبر والحور العين والديمقراطية وغيرها من الخليطات.. أما الجبهة الشعبية فلها شروط.. وليس لها شرط أقل من الكفر الصراح البواح الذي أثبتته في وثيقة الفجر الجديد، حيث نادت بالعلمانية بلا مواربة ولا مداراة ولا مداهنة وبلا نقصان، مع فتح الباب على مصراعيه للزيادة والتمدد بلا حدود ولا وازع ولا رادع. إن أهل الإنقاذ يتطلعون إلى قشة المعارضة وقشة العلمانية وقشة الدغمسة وقشة الانبطاح، ولو أنهم جمعوا كل قش الأرض ما أغناهم شيئاً عن حبل الله المتين، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم «من ابتغى الهدى في غيره أضله الله». ألم يعلم أهل الإنقاذ أن خير سفينة للنجاة، هي سفينة الإسلام والشريعة والهدى والدستور الإسلامي «وقوانين سبتمبر» هذا إن أعجزتهم التسميات وخافوا على المناصب والمراتب والمقاعد، فليبقوا على قوانين سبتمبر التي أعجزت من جاء قبلهم، وقال الشيخ حسن أحمد حامد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، معبراً عن فشل الذين حاولوا إلغاءها من لدن مشرعها النميري- وإن صحت الرواية إلى حكومة الصادق المهدي عشية انقلاب البشير يوم يوم «30/6» كل هؤلاء فشلوا في إلغاء قوانين سبتمبر، فقال الشيخ حسن أحمد حامد عن القوانين إنها «مسمار جحا دقه بقرش وخلعه بجنيه». أما كونها مسمار جحا فهو ليس توصيفاً لها، ولكنه يصلح هنا لأنها مسمار في نعش العلمانية.. والغريب أن كل من اشترى أو حاول شراء السودان، كان لابد له من شرائه ومعه مسمار جحا.. وجحا باع بيته وأبى أن يبيع المسمار.. ونحن والله أشد دهاءً من جحا نفسه، فنحن والله لا نبيع البيت ولا نبيع المسمار. إن الإنقاذ تخطئ خطأً فادحاً إذا ظنت أن الأحزاب المعارضة والجبهة الثورية والشيوعيين سوف يجلسون معها في مائدة الحوار ليحاورونها.. إن حوار الإنقاذ مع أعدائها لا يشبهه شيء مثلما تشبهه دعاوى التقريب بين السنة و الشيعة، فالذي يسعى له الشيعة في حوارهم مع أهل السنة هو ذات الذي يسعى له معارضو الإنقاذ معها. الإدانة الكاملة في الحالتين واستلام مقاليد الأمر حكماً كان أو عقيدة وديناً.. إن التقريب بين الشيعة والسنة مستحيل لأن الأصول مختلفة.. وكذلك التقارب بين الإنقاذ ومعارضتها مستحيل لأن المنطلقات والأهداف والغايات مختلفة. صحيح أن الإنقاذ أصبح من أهدافها.. ولا أقول كل أهدافها.. التمسك بالمقاعد والمناصب والمكاسب الدنيوية العاجلة.. إلا أنها لن تنسى أنها دخلتها واستولت عليها من بوابة الشريعة.. لذلك ستظل هي الجزرة التي تستميل وتستقطب بها تأييد المواطن السوداني، الذي مهما قيل فيه فإنه لا يمكن أن يلين قياده إلا للحكم الشرعي والحكومة الإسلامية.. وليس أدل على ذلك من تجربة الإنقاذ نفسها.. فرغم كل الذي خالطها من وهن، ففترة حكم الإنقاذ هي أطول فترة حكم منذ الاستقلال .. أليس ذلك موحياً بشيء، ألا يوحي ذلك إلى الإنقاذ أن الطريق إلى قلوب الجماهير، يمر عبر هذه الجزرة التي تعرضها الإنقاذ منذ ربع قرن من الزمان، ويتدافع إليها الناس ولا يصل إليها أحد؟! وأنا أقول للإنقاذ إذا صح التعبير، أن الإنقاذ كالذبابة لها جناحان أحدهما داء والآخر دواء أي أن داءها ودواءها فيها.. أما داؤها فهو شهوة الحكم وأما دواؤها فهو الحبل المتين الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل و من دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم، أما سفينة الإنقاذ التي ركبتها لتنجو عليها، فقد اختارت لها رباناً من غير أهل الخبرة والتجربة والعلم، وتركت أهل العلم والحكمة والتقوى والورع على الشاطئ لا يستطيعون فعلاً ولا قولاً ولا يسمع إليهم، وإن صاحوا ضاعت صيحاتهم وأغرقتها لجة العلمانية التي تسبح فيها سفينة النجاة، أو سفينة الإنقاذ حتى أصبح مصطلح الإنقاذ.. أو كاد أن يصبح من أسماء الأضداد. يا أهل الإنقاذ صدقوني إن الذي فعله نائب الوالي في ولاية النيل الأبيض، لا يقل كثيراً عن الذي فعله عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين، عندما أحضر زوجته لتشرف على ولادة المرأة الحبلى، وجلس هو مع زوجها في داره يصنع لهم طعاماً..!! يعني الخليفة وأمير المؤمنين «كان قاعد يسوي الملاح ويسوط العصيدة». والرجل لا يعلم، حتى صاحت زوجة عمر به قائلة له «يا أمير المؤمنين بشّر صاحبك بأنه قد ولد له ولد» عندها فقط علم الرجل أن الذي يصنع الخرسة عنده في بيته هو عمر الفاروق أمير المؤمنين، والخرسة هي طعام النفساء، ومن أهم مكوناته التمر.. ألم يقل الله تعالى لمريم وهي نفساء «وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً فكلي واشربي وقري عينا». وعندنا الآن طعام النفساء هو مديدة التمر والمرق، قطعاً فإن أمير المؤمنين اليوم أو رئيس الجمهورية لا يحتاج لأن يصنع بنفسه خرسة لامرأة نفساء في دار السلام، أو في زقلونا أو في «دقست»، ولكنه يحتاج أن يكون له ولاة، أو نواب ولاة من الذين يباشرون المهام بأنفسهم ويمسحون على رؤوس الأيتام فيدخلون الجنة قبل العباد والزهاد. هذا ما تحتاجونه يا أهل الإنقاذ لا هؤلاء المتقعرون والمتنطعون والمتحزلقون، الذين لا يحسنون من الذكر إلا التبرك به والتشدق به في المؤتمرات والقاعات. إن الإنقاذ بدعوتها للحزب الشيوعي تحتطب من حبل العلمانية، وبدعوتها للجبهة الثورية تحتطب من حبل التمرد، وبدعوتها للأحزاب التقليدية فإنها تحتطب من حبل الدغمسة، وبدعوتها للترابي تقول لنا هي: في أي حبل تحتطب؟! والله المستعان.