كتب الأستاذ أيوب صديق مقالاً نشر بهذه الصحيفة بعنوان: (قصيدة البرعي تناقض محكم القرآن الكريم) واستشهد فيه بهذه الأبيات من قصيدة (سيد هوازن): نجّى لنوح من مياهو ***** وإبراهيم من لظاهو جدو إسماعيل فداهو ***** وبيه أيوب نال شفاهو وبيّن في مقاله وجه انتقاده لهذه الأبيات ووضّح مناقضتها لمحكم القرآن الكريم، من خلال ما ساقه من آيات القرآن الكريم المحكمة التي فيها بيان أن الله تعالى هو من أنجى نبي الله نوح عليه السلام، وهو جلّ وعلا من جعل النار برداً وسلاماً على خليله إبراهيم عليه السلام، وبيّن الأستاذ أيوب كذلك واستشهد بآيات القرآن الكريم في ما ورد بشأن مرض نبي الله أيوب عليه السلام وشفائه وأن الله تعالى هو من كشف ما به من ضر. وما تفضّل به الأستاذ أيوب صديق هو نقد علمي لا غبار عليه، سار فيه على الطريقة الموضوعية في النقاش العلمي، حيث عرض الأبيات المذكورة على القرآن الكريم، ثم بيّن ما يجب أن يثبت للنبي عليه الصلاة والسلام ووضّح أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعل ما نسبه له البرعي ومما قال في ذلك الأخ الأستاذ أيوب: (يقول البرعي إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك، وكل ذلك هو فعل الله سبحانه وتعالى كما بينه القرآن بآياته المحكمات. والنبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أولئك الأنبياء سحيق من الأزمان وبعد الدهور، فكيف فعل ذلك؟ اللهم إلا إذا كان في عقيدة البرعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الأزل يفعل أفعال الله قبل أن يُخلف بشراً في دنيا البشر، وهذا لا يقول به ذو عقيدة سوية. والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم ما حدث لأولئك الأنبياء الذين سبقوه إلا بإعلام الله له عن طريق الوحي. ودليل ذلك قول ربه تعالى له في سورة هود بعد أن قص عليه قصة نوح: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) أ.ه. وقد انتقدتُ هذه الأبيات في مع غيرها في أشرطتي التي أصدرتها في عام 2002م، وقد انتشرت بفضل الله تعالى، ولا زلت أنتظر من يناقشني فيها مناقشة علمية، فكانت هذه الأبيات موضع نقد ومخالفتها للمعتقد الصحيح وما ورد في الكتاب والسنة هو من أوضح الواضحات. وقد اطلعت على ردود صدرت على ما كتبه الأستاذ أيوب صديق في مقاله المذكور، أراد بها من كتبوا في ما اطلعت عليه أرادوا بها الدفاع على أي حال عن الأبيات وكاتبها، ولم يكن ليمكنهم ذلك أي أن يقدّموا نقداً علمياً لنقد الأستاذ أيوب للأبيات المذكورة، حيث إن الكلام المنتقد واضح ومخالفته بل مناقضته للقرآن الكريم وآياته وقصصه واضحة كذلك، فوقع من كتب في ذلك في تكلف واضح، بإدعاء أن هذه الأبيات من المجاز وأنه لم يرد بها ظاهرها!! وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان سبباً في نجاة نوح وإبراهيم وأيوب بتكلفات ذكرت ليس لها نصيب في الحجج العلمية، وكان الواجب على من انتقد النقد العلمي الذي تفضّل به الأستاذ أيوب أن يستسلم له ويقبل هذا البيان الواضح، فالأصل في الكلام الحقيقة وليس المجاز كما هو معلوم ومقرّر في القواعد الشرعية، وإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن موجوداً قبل أن يولد في مكة في عام الفيل، كما أنه لم يكن له أن يتصرف في هذه الأمور وغيرها قبل ولادته، وما ذكره الله في قصص هؤلاء الأنبياء وأمر نجاتهم هو من خصائص ربوبية الله تعالى وهو منفرد بذلك جل وعلا، وهذا هو معنى آيات القرآن الكريم الواردة في هذا الأمر، وإن الرسل والأنبياء قد دعوا الله تعالى أن ينجيهم لعلمهم أنه وحده الذي ينجي من الكرب وكيد الأعداء ويغيث الملهوف ويشفي المريض، ولم يركنوا لحولهم ولا لقوتهم، بل حققوا العبودية لله تعالى، فدعوا الله جلّ وعلا فقال نوح (رب إني مغلوب فانتصر) وقال الله تعالى: (فاستجبنا له ونجيناه من الكرب العظيم) وقال إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار كما ثبت في صحيح البخاري حسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله تعالى: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) وقال أيوب عليه السلام: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) فقال الله تعالى: (فكشفنا ما به من ضر) ثم إن هؤلاء الصفوة قد شكروا ربهم سبحانه وتعالى بعد أن نجّاهم، ولم يذكر أحدٌ منهم النبي محمداً عليه الصلاة والسلام، ولم يرد ذلك أو الإشارة له في نص من كتاب أو سنة صحيحة، فإن ما ورد في أبيات البرعي هو إدعاء غير صحيح لم يثبت لا شرعاً ولا عقلاً، فضلاً عن مخالفته ومناقضته للقرآن الكريم. والواجب قبول النقد فإن البشر يخطئون ويصيبون، ويجب التجرد لنصرة الحق الوارد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فكل البشر يؤخذ من قولهم ويترك إلا النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وقد انتقدت أبياتاً عديدة وردت في ديوان البرعي رياض الجنة ونور الدجنة ونشرت نقدي في أشرطة سمعية المقصود من ذلك هو بيان الحق والنصح للمسلمين، وعلى استعداد لأي مناقشة علمية بهذا الصدد، ويجب أن يعلم أننا لا نفرح بوجود مثل هذه الأخطاء الشرعية، ولكن طالما أنها وجدت وكتبت وطبعت ونشرت واعتقد ما فيها بعض الناس كان من الواجب التوضيح بعرض كل الأقوال والعقائد والأشعار على الكتاب والسنة، مع تحري النقد العلمي والموضوعية. ومن العجائب أن أبياتاً في ذات المعنى وردت عند بعض المنتسبين للطريقة الختمية، لكنهم لم ينسبوا هذه الأفعال الواردة في الأبيات أعلاه لم ينسبوها للنبي عليه الصلاة والسلام وإنما نسبت للختمية أنفسهم.. وهنا قضية مهمة يجب التنبيه عليها وهي أن نسبة كبيرة من الأفعال التي تذكر في ما يسمى بالمدائح والتي هي من خواص الربوبية، تنسب للشيوخ!! والقليل منها ينسب للنبي عليه الصلاة والسلام، وفي هذا شواهد عديدة يتضح بها أن ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ونسبة بعض الأفعال له يكون وسيلة لنسبة أفعال هي من خواص الربوبية لأشخاص معينين. والأبيات التي وردت في كتاب شرح التوسل بأسماء الله الحسني ص228 من كتب الختمية هي: يا معشر الخلق من جنٍّ ومن بشر== هل تنكروا فضلنا أم تجحدوا قدرنا نحن الملوك وكل الملك أجمعه == أعلاه وأسفله في طي قبضتنا والأنبياء وجميع الرسل قاطبة == من رشح نور بدا من ذات واردنا وجود آدم منا كان منشؤه == جمال يوسف من أنوار بهجتنا طوفان نوح لولا تداركنا == لأهلك الخلق إجمالاً وحرمتنا نار الخليل خبت من ريق تفلتنا == ونار موسى أضاءت من محاسننا أيوب لما دعانا عند بلوته == أجابه الله إجلالاً لدعوتنا نحن المراغنة الأخيار من قدم == الختم منا وغوث الكون خادمنا ما أكثر انتشار مثل هذه العقائد المخالفة للكتاب والسنة!! وما أعزّ التجرد والاستسلام لقبول الحق!!.