بينما ينشغل الناس هذه الأيام بفعاليات مؤتمر قضايا الإعلام الذي ينعقد في ظرف هام من تاريخ السودان، يساور المشتغلين في هذا الحقل بالسودان جملة من المشاغل والقلق بسبب الانفتاح الكبير للفضاء والتداخل ما بين السياسي والحدود الوطنية في التناول الاعلامي للقضايا العامة سيما السياسية، وبلا شك ان المؤتمر عبر اللجان التي عكفت على دراسة الاطروحات الخاصة بواقع الاعلام ومشكلاته، وما تلا دراساتهم من ورش متخصصة ونقاش تناولت مضمون ومرتكزات الاعلام المطلوب ولكن السؤال هل هناك إرادة سياسية لإنفاذ مقررات هذا المؤتمر..؟؟ إذا نظرنا وتقمصنا لرؤية الحكومة في الاصلاح وتطوير الحياة العامة وتنميتها استنادا إلى خطاب الرئيس ووثيقة الاصلاح نستطيع ان نقول الارادة ربما متوفرة ولكن اثباتها يتطلب ارادة من بقية القوى الوطنية الاخرى حتى لايتحفظ كل حزب بكروته فيما يلي اصلاح نفسه ثم اصلاح الحياة عامة. يحمد لوزارة الاعلام هذا الحراك الكثيف والجاد والعصف الذهني والاتقان في الأداء المسنود بارادة من رئاسة الجمهورية، وفي تقديري حراسة هذا المجهود الذي شارك في صناعته كثيرون من أهل الاعلام الحر والرسمي وضمانته تكمن في إرادة التنفيذ وإعتماد المنهج السليم الذي يفضي الي اعادة تركيب الاعلام السوداني وفق معطيات واقعنا السياسي والاجتماعي الثقافي بعيدا عن انصاف الحلول التي لا تجعل الاعلام العام والخاص يعبر عن الهوية السودانية بشكل يلبي طموحات الكثيرين، ويجعل لبعض يزاود ويذهب بعيدا حيث الوسائط الاعلامية المخربة للنسيج السياسي والاجتماعي بالبلاد مثل اذاعات دبنقا وتمازج وعافية دارفور وهي وسائط تعبر عن الصراع السياسي في مناطق اشتعال التمردات. وفي هذا اضرب مثال بالاستاذ ياسر زين العابدين عضو المجلس التشريعي بولاية النيل الأبيض ابان خلافاته الأخيرة وما أثاره من قضايا فساد بالولاية في سياق تقرير المراجع العام وبعد نزاع داخل المجلس مع رئيس المجلس وآخرين واثناء الخلافات نقلت اذاعة دبنقا تصريحاته كاملة كما ان ذات الاذاعة قد نقلت نزاع قيادات المؤتمر الوطني بمجلس شوري الوطني وكثفت نشاطها الاعلامي - اين السياسات والتشريعات الاعلامية التي تكبح مثل هذا النشاط الهدام والذي يعمل على تمزيق النسيج السياسي والاجتماعي، فضلا عن هذا كل ان فضائنا مفتوح بلا رقابة أو ضوابط فنية للارسال والاستقبال نعم ان الفضاء اصبح مفتوحاً ولكن لكل بلد خصوصيته التي تمكنه من ضبط المادة التي تدخله اطاره الجغرافي والمرسلة منه كذلك. لدينا الاذاعات الخاصة لارقيب عليها وهي تبث برامج عشوائية ويضاف اليها الفوضى في الولايات التي بدأت تنخر في عضد القومية بانشاء اذاعات ومحطات تلفزيونية موقلة في المحيط وبمقدور هذه الاذاعات والوسائط حجب الرسالة القومية القادمة من الاذاعة والتلفزيون، في أي وقت، وفي هذا كانت الشكوى المدهشة التي ظل يجهر بها مدير الاذاعة القومية معتصم فضل في كل المنابر وهي ان الجرأة والفوضى بلغت بالولايات مدى جعل معتمد شندي ينشأ اذاعة محلية في شندي وتبث على التردد اف.ام (95) وهو تردد مخصص للاذاعة القومية، يتم ذلك بتصريح ومباركة من هيئة البث دون النظر لخصوصية البرنامج العام للاذاعة ورسالتها القومية التي تتطلب في لحظة من اللحظات البث ان تنفصل كل الموجات الولائية وتنضم للاذاعة البرنامج العام في ام درمان، ولكن من يكبح هذه الفوضى غير مقررات مؤتمر قضايا الاعلام الثاني وضرورة تنفيذها والتي أكرر أنها تأتي في تاريخ مهم من تاريخنا الوطني الذي تشكل فيه كل الاشياء والهياكل من جديد بعد خطاب الاصلاح والوثبة الذي أطر للحياة بعد مسيرة عملية تجاوزت ربع القرن من الزمان لامست جملة من مشكلات البلاد. وعقدت الحزم للتحاور على تجاوزها بإرادة وطنية مخلصة.