من ضمن ما صرح به الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي وهو يختتم زيارته التي استغرقت عدة ساعات للخرطوم في يوم الجمعة المنصرم، بأن السودان جزء من مصر ولا ندري ما دار خلف الكواليس والاجتماعات المغلقة، ولكن ما قاله السيسي في جملة واحدة لوسائل الإعلام هو أمر خطير للغاية، ولا يمكن أن يعتبر زلة لسان كما قالت إحدى الصحف عندنا في السودان. وعمل أحد الباحثين المصريين وهو باحث في الشؤون الإفريقية على إيجاد مخرج من هذه الكلمات التي تم تداولها في العديد من الوسائط ومنها القنوات الفضائية في مصر، قال الباحث وهو الدكتوررمضان قرني «بأن السيسي يقصد أن السودان هو جزء من المكنون المصري وتوجد حضارة بين البلدين وليس كما صورتها الصحف بطريقة خاطئة، وتفسير بعض وسائل الإعلام لما قاله السيسي بطريق الخطأ في وقت سابق جزء مكمل من حملة الإعلام الدولي ضد مصر» وبعض الإعلاميين المصريين المناصريين للمشير السيسي زادوا الأمر كيل بعير وقالوا ما لم يدرك السيسي الوقت لقوله في هذه الزيارة وهم يرون في زيارته للخرطوم طي لصفحة علاقة الخرطوم بالإرهابية والإرهابية هنا يقصد بها جماعة الأخوان المسلمين ووصف جماعة الأخوان في مصر بالإرهابية هو وصف حكومي ما أنزل الله به من سلطان، ومن أبرز الذين تناولوا موضوع الإرهاب والإرهابية في الزيارة الدكتور هاني رسلان وهو من فلول نظام الرئيس حسني مبارك ومن الموالين للسيسي بعد انقلابه العسكري في يوليو من العام الماضي. وحسب ما هو معلن ضمن إعلانات وأهداف متعددة أن السيسي يريد تهنئة الرئيس البشير على نجاح العملية الجراحية وهذا أمر يشكر عليه إذا تم باسم الشعب المصري، والبشير له يد سالفة في هذا الأمر وهذا جانب إنساني وسياسي مقدر، ولكن من جانب آخر وقد أكثر الجانب المصري من أغراض زيارة الرئيس المصري للخرطوم فالسيسي العائد من جولة إفريقية ومباحثات فاشلة مع الجانب الأثيوبي حول سد النهضة يريد أن يحقق من زيارته للسودان عدة أمور من أهمها التغطية على هذا الفشل في مباحثاته حول سد النهضة «بالحديث بأن السودان جزء من مصر» فالنقاط التي اتفق عليها السيسي مع رئيس وزراء أثيوبيا تعني أمراً واحداً أن سد النهضة هذا قائم قائم، وأن أثيوبيا متمسكة بما أسمته حقها في مياه النيل وحق شعبها في تحقيق التنمية والرفاهية أسوة بالشعوب الأخرى الواقعة على حوض النيل، ومصر أمامها عدة خيارات إما أن تقبل بإقامة سد النهضة وإما أن تلجأ للتحكيم الدولي لفض النزاع حول السد ... والسيسي يعلم أن الرأي العام المصري لن يرضى عنه إلا إذا نام ليستيقظ على أن سد النهضة الأثيوبي قد تم محوه من الوجود، أما الواقعية والحوار بين دول حوض النيل فهذا من الأمور المرفوضة حتى في زمن الرئيس مبارك، والتي لا يتوقع المواطن المصري أن تأتي من قائد الجيش الذي قاد الانقلاب باسم مصر وحياة مصر ونيل مصر، وهو يركن لمثل هذا الاتفاق في أمر حيوي وهو أمر مياه النيل، ولذلك نجد ما وصفته منى عمر مساعدة وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية السابقة بأن زيارة السيسي للسودان زيارة ذكية جداً، هو الوصف المناسب لهذه الزيارة... ومشكلة الرئيس السيسي مع سد النهضة هو التناول المفرط من جانب الإعلام المصري حول خطورة هذاالسد وتصريحات المسؤولين والخبراء المصريين، بأن سد النهضة الأثيوبي هو بديل للسد العالي والقول بأن النيل قد انحسر في مصر انحساراً ملحوظاً بعد قيام هذا السد «والذي لا أحد يعلم أن هذا السد قد قام أم هو في طور الدراسة» ولا أدري كيف يبرر السيسي ومعاونوه للناس في مصر أمر سد النهضة على قاعدة الاتفاق الأثيوبي المصري الذي أبرمه المشير السيسي، وهو يقول بأن نهر النيل هو نهر للتعاون بين دول حوض النيل ويجب التعاون على تحقيق الاستفادة المثلى من النهر لجميع الدول دون الإضرار بحق دولة على حساب دولة أخرى، وهذاالكلام قاله الرئيس المصري المعزول الدكتور محمد مرسي، فما هو الجديد من جانب السيسي حول هذا الأمر؟. ولعل الهدف الثاني من الحديث غير الموفق من جانب السيسي هو إظهار للنوايا التوسعية للمشير السيسي، فكلمة السودان جزء من مصر ذات أهمية بالغة لكثير من القطاعات في الشارع المصري التي تنظر للأمر نظرة واحدة وإن اختلفت المواقف والنوايا بين هذه القطاعات، ولكن المهم بالنسبة للسيسي هو صرف الأنظار عن احتلال مصر لمثلث حلايب وعدم إثارة الأمر من جانب السودان في هذه المرحلة، وإعطاء نفسه مشروعية التدخل في السودان في أية لحظة باسم مكافحة الإرهاب والقضاء على عناصر الأخوان المسلمين الذين يتحدث الإعلام المصري عن وجودهم في الأراضي السودانية خاصة في شندي والقضارف وبورتسودان وكسلا و في حال سكت السودان على هذا الأمر «والسكوت رضا» كما يقول المثل .. ولا أتوقع أن يحرك السودان ساكناً في هذا الأمر الخطير طالما أن سفيرنا في القاهرة هو محمود عبد الحليم الفرح المسرور بقبول الجانب المصري له سفيراً للسودان في القاهرة بدلاً من الرجل الذي ينتمي للمؤسسة العسكرية والذي كان من الطبيعي أن تقبل به مصر سفيراً لديها لوجه الشبه بينه وبين الحكم الجديد في مصر، وهو حكم الجيش المصري. وليس غريباً على الشعب السوداني وحكومته أن يستقبل المشير السيسي بحفاوة فهو ضيف وحق على شعب السودان أن يكرم ضيفه وليس غريباً على السودان الاحتفاء بالضيوف، فقد زار الخرطوم الرئيس مبارك وزارها الرئيس محمد مرسي وليس غريباً على شعب السودان وقيادته الاحتفاء بالضيف الذي يحل زائراً على البلاد ومن شدة حفاوة السودانيين بضيوفهم أن السيسي لم يواجه بمظاهرات احتجاج على زيارته لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر ولقتل السيسي للمواطنين المصريين وهم يؤدون صلاة الفجر في شهر رمضان. وما لفت نظري أيضاً في زيارة السيسي هي التصريحات التي أدلى بها سفير مصر بالخرطوم أسامة شلتوت بأن زيارة المشير السيسي للخرطوم كانت في الأصل للاطمئنان على صحة الرئيس البشير وتهنئته على نجاح العملية الجراحية التي أجراها مؤخراً وهذا أمر جيد كما ذكرت، ولكن شلتوت يضيف بأن الزيارة فرصة ليقدم السيسي شرحاً للرئيس البشير للاستحقاقات التي تم تقديمها في خارطة الطريق لمستقبل مصر، ومن عجب أن يقوم السيسي بشرح خارطة الطريق للرئيس البشير بعد أن جلس على كرسي الرئاسة من خلال هذه الخارطة التي تتحدث عن مستقبل مصر، فهل مستقبل مصر أن يكون السودان جزءاً من مصر على أيام السيسي وخارطته للطريق؟