استقر الطوارق «الكنين» في دارفور بين قبائل الزغاوة والفور والتنجر والعرب والفلاتة متجاورين ببعضهم البعض لمدة تفوق المائة عام، ومنذ أن وطئت أقدامهم دارفور لم تكن لهم أية خلافات أو عداوات مع أية قبيلة حتى تاريخنا هذا. وفي أحداث «2003م 2004م» وظهور الصراع المسلح في دارفور نزح كل قاطني تلك القرى ما عدا سويلنقا والقرى الواقعة في ضواحي كتم. وفي ذلك العام فقد الطوارق كل أموالهم وأملاكهم وثرواتهم الحيوانية التي كانت كثيرة جداً ولم تترك لهم تلك الحروبات شيئاً وأصبحوا بين ليلة وضحاها نازحين. اتجه سكان جيلي إلى كبكابية وباقي القرى نزحت إلى الفاشر في معسكرات السلام وأبو شوك وأصبحوا لاجئين ينتظرون صدقات المنظمات. يعمل معظم أفراد قبائل الطوارق في الرعي والزراعة والقليل منهم في التجارة ولهم عدد غير قليل في القوات النظامية المختلفة استشهد الكثير منهم، ولا تملك قبائل الطوارق رتبا عليا في القوات النظامية فقط رائد واستشهد، وآخر برتبة نقيب وتقاعد، وملازم شرطة فقط في الخدمة الآن. للطوارق في شمال دارفور عمودية بقيادة العمدة حسين إبراهيم من قرية جيلي ريفي طويلة ويقيم بمعسكر السلام: «أبوجا» في الفاشر وتقدمت قبائل الطوارق لسلطات شمال دارفور لمنحهم نظارة وشرتاي كغيرهم من قبائل دارفور الأخرى منذ العام «2010م» حتى تاريخ هذا اليوم ظل ذلك الطلب قابعاً بلا حراك في مكاتب أولي الأمر ولم ير النور بعد. فكر الطوارق الموجودون في معسكر السلام الفاشر بالعودة الطوعية إلى قراهم لممارسة الزراعة وحُصر ذلك على الرجال فقط مع بقاء النساء والأطفال والعجزة بالمعسكر، وكان ذلك في خريف العام «2012م»، وبالفعل ذهبوا وقاموا بإصلاح أراضيهم وبناء بعض بيوت القش وفكروا جدياً في العودة، وكان خريف العام «2012م» خريف خير وبركة وعم الخير والرخاء ولكن في خريف العام «2013م» قامت بعض المشكلات دمرت أحلام وآمال الجميع وعاد شبح النزوح مرة أخرى بعد أن هاجمت مجموعة من المتفلتين القرى المجاورة وأحدثوا فيها الخراب كسرفاي وبركة وأم عشوش وسنط وتكتلات وهرب الناس وتركوا كل ما يملكون وراء ظهورهم. خريف العام «2014م» على الأبواب وإذا لم يرجع هؤلاء الناس لقراهم للاستعداد للخريف ستكون الكارثة أكبر وهذا معناه امتلاء المعسكرات بطوابير العاطلين عن العمل، والمعسكرات نفسها أصبحت غير آمنة وانتشر فيها الفساد والجريمة بأنواعها ويكون الشباب العاطلون صيداً ثميناً، وذلك باغرائهم للانضمام إلى الحركات المسلحة بحجة عدم عدالة الحكومة وعدم قدرة الدولة للدفاع عنهم، فالوضع خطير جداً وإذا لم تضع الحكومة الحل المناسب ستكون العواقب وخيمة. نعم بدأت السلطة الإقليمية برعاية قطرية بإنشاء بعض المشروعات والقرى النموذجية ولكن قرى غرب الفاشر لم تنل أي نصيب من تلك الهبات القطرية حالياً. وقبائل الطوارق كقبائل محايدة لدينا بعض المقترحات: أولاً: تكون لجان للتعايش السلمي بقيادة نظار وعمد ومشايخ قرى غرب الفاشر من السكان الزغاوة والعرب والفور والتنجر والفلاتة وأولاد مانه برعاية الحكومة مع إلزام كل مسؤول يتولى مسؤوليته الكاملة عما ينجم من أفراد قبيلته وتقوية الإدارات الأهلية مع العلم أن هذه القبائل تعرف بعضها البعض أكثر من غيرهم، فهم أهل الوجعة وقادرون على حل مشكلاتهم لو جلسوا مع بعضهم البعض بدون تدخل أطراف خارجية. ثانياً: إبعاد أصحاب الإبل عن المزارعين. فالناقة كما نعلم هي أساس كل بلوى، فحرب البسوس التي دامت أربعين عاماً بين أبناء العمومة سببها ناقة عجوز والجميع يعرف القصة، والراعي والمزارع ضدان لا يجتمعان، وإذا كان لا بد فيجب إعطاء المزارعين فترة كافية لجمع محاصيلهم في الأراضي الرملية والطينية ثم بعد ذلك يمنح الرعاة فرصتهم. ثالثاً: تقوية الإدارات الأهلية وجمع النظار والعمد والشيوخ والشراتي والدمالج وإعطائهم صلاحيات كاملة بما فيها قوة لحماية القانون، فالقانون بلا قوة تحميه يكون لا معنى له، وأن يشجع رجال الإدارات الأهلية بحوافز مالية ويكافأ الملتزم ويحاسب المقصر وتنشأ محاكم لهذه الإدارات لحل النزاعات الصغيرة التي تحدث بين الناس، فجميعنا يعرف الشرتاي محمد صالح مندي الذي كان قاضياً بين أهل تلك القرى ولعب دوراً كبيراً في حل كثير من المشكلات. وإقامة معسكرات توعوية وتثقيفية ودينية للإدارات الأهلية وللعمد والمشايخ والدمالج، وفي السابق كان أهلنا بمختلف قبائلهم عندهم أداء قسم يسمى قسم الأمان بعدم الاعتداء أو إيواء المجرمين أو نصرة الظالم. رابعاً: إقامة معسكرات في بعض المواقع الإستراتيجية لحفظ الأمن ويكون معظم جنوده من أبناء تلك القرى بضمانة نظارهم وعمدهم. والأمر المستعجل الآن الذي لا يقبل التأخير هو تحرك الدولة السريع في توفيق أوضاع الناس حتى يرجعوا لقراهم لأن الخريف على الأبواب وإذا لم يزرع الناس هذا العام فمعناه لا مساكن ولا قوت والمزيد من المشكلات. وعلى الحكومة أن تبذل كل ما في وسعها والدعوة لاجتماع عاجل للعمد والمشايخ والإدارات الأهلية والتفاكر معهم في كيفية تأمين خريف هذا العام والحل بسيط، توفير أمن لحماية هذا الموسم مع تقديم مساعدات للمزارعين وذلك بمساعدتهم بتوفير آلات مثل اللوادر والقلابات والجاز لتقوم برفع التروس وصيانة السدود المقامة وردم بعض الخيران وهذه الخطوة أهم من وعود أخرى تكون بعيدة المنال وليست في القريب العاجل. ونحن أبناء قبائل الطوارق وإخوتنا في القرى المجاورة مستعدون للوقوف إلى جانب الدولة وحماية أراضينا ومزارعنا ونحن تحت الطلب.