ما زالت حرب المصالح الشخصية والصراع للسيطرة على المواقع القيادية في المؤسسات الصيدلانية العامة يحتدم ويخرج عن أطر العلم والمهنية إلى فضاءات الإعلام ووسائله حيث يقدم لها هذا الصراع وجبة دسمة وجرعة زائدة من الإثارة تسد به نهمها وتجعلها في بؤرة الاهتمام الشعبي والأضواء بزعم وادعاء زائفين إسمهما المصلحة العامة ومصلحة المواطن!! أي مصلحة عامة وأي مصلحة للمواطن في طرح قضايا علمية ومهنية بصورة تعوزها الدقة ويتجافاها العلم وينتاشها الضعف في كل حيثياتها. سنناقش هنا، وباستفاضة، قرار السيد وزير الصحة الاتحادي القاضي بعدم استيراد الأصناف الدوائية المعروفة باسم المنتجات الحيوية المثيلة BIOSIMILARS من غير مصادرها الأصلية إلا بعد استيفاء الشروط التي حددتها لجنة تسجيل الأدوية في العام 2009م. حتى هنا فالأمر عادي ولا يخرج عن مألوف العمل الروتيني اليومي، إلا أن الغريب في الأمر أن هذا القرار وقبل أن يصل إلى الجهة المناط بها تنفيذه يطير إلى ألمانيا الغربية ثم يدخل «الفيس بوك»، وربما مواقع أسفيرية أخرى، وتصحبه تعليقات تحمل رسالة واضحة وهي أن جهات التسجيل المعنية بالسماح بتداول هذه الأدوية، الواردة من مصادر غير أصلية، قد ارتكبت خطأ فادحاً بتسجيل هذه الأدوية وأن لها مصلحة ذاتية في ذلك وأنها يجب أن تحاسب، يعني أن تذهب عن مواقعها وصاحب ذلك قصف إعلامي داخلي وكلها تحاول أن تشير بأصابع الاتهام للأمانة العامة للمجلس القومي للأدوية والسموم ولجانه المختصة!! إلا أن الحقيقة الغائبة التي لا يذكرها أحد ولا يريد أحد أن تصل إلى الناس هي أن هذه المنتجات متداولة في السودان منذ سنوات، ولنأخذ مثالاً على ذلك دواء ال ERXTHROPOEITIN المستخدم في علاج الأنيميا المصاحبة لمرضى الفشل الكلوي المزمن أو الأنيمياء المصاحبة لاستخدام عقار ال ZIDUVIDIME عند مرضى الإيدز. ونحن نأخذ هذا العقار كمثال لأنه «مثار النقع» في هذه «المعركة» الماثلة أمامنا، وهي معركة مصالح واحتكارات وصفقات ومليارات!!! وتصفية حسابات، قديمة وجديدة، وآخر ما فيها هو مصلحة المريض أو المصلحة العامة، بزعم البعض!! أعود لهذا الدواء الذي يصلنا من ثلاثة مصادر، اثنان من هذه المصادر معنية بقرار السيد الوزير. أحد هذه المصادر هو مصنع مسجل لدى أعلى هيئة رقابية دوائية في العالم وهي إدارة الأدوية والأغذية الأمريكية FDA وهذا يعني السماح بتداول منتجاته داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية!! وظل هذا المصنع يورد هذا الدواء منذ العام 2002 ووقتها كان الأمين العام الحالي للمجلس القومي للأدوية والسموم طالب دراسات عليا في النمسا ومعظم أعضاء لجنة تسجيل الأدوية البشرية يعملون خارج السودان!! أما الصنف الثاني فتورده شركة كورية جنوبية منذ العام 2006م ووقتها كان الأمين العام الحالي ما زال طالب دراسات عليا بالنمسا!! هذا ينفي وجود مصلحة لكل الأطراف القائمة على أمانة المجلس القومي للأدوية والسموم، وربما ينفي علم هذه الأطراف بظروف تسجيل هذه الأدوية!! وإذا أضفنا إلى ذلك أن اهتمام منظمة الصحة العالمية بأمر إنتاج هذه المنتجات الحيوية من مصادر غير أصيلة ونشر موجهاتها في هذه الشأن بصورة واسعة قد بدأ في العام 2007م أي بعد أعوام من تداول هذا الدواء في السودان، لأدركنا ألا خطأ قد حدث من ناحية إجرائية ومهنية وعلمية، ففيم يريد هؤلاء الصيادلة والإعلاميون نسبة هذا الخطأ «المتوهم» إلى الأمانة العامة الحالية للمجلس القومى للأدوية والسموم، مع كامل علمي واقتناعي ألا خطأ قد وقع أصلاً، لا في الماضي ولا الآن، في تسجيل هذه الأدوية، وهذا ما سأناقشه في موضعه من هذه المقالات. الأكذوبة الكبرى التي يروج لها البعض، بناء على قرار السيد الوزير، أن منظمة الصحة العالمية لا تسمح بتداول هذه الأدوية إلا من مصادرها الأصلية، والصحيح أن منظمة الصحة العالمية تطالب بتسجيل هذه الأدوية والسماح بتداولها من مصادرها غير الأصلية، بعد التأكد من مأمونيتها وسلامتها والتأكد من آثارها المناعية، والدليل على ذلك وجود عشرات المصانع التي تقوم بإنتاج وتوزيع هذا الدواء على نطاق العالم. الأمانة العامة الحالية للمجلس أضافت قيوداً جديدة على لائحة شروط التسجيل والسماح بتداول هذه الأدوية وهي ضرورة أن يكون الدواء مسجلاً ومتداولاً في 19 دولة من بينها الدولة المصنعة!! ولا أظن أن 19 شعباً يمكن أن يصبحوا«فئران تجارب» على قول الأستاذ الطاهر ساتي ود. ياسر ميرغني!! فقط لأنهم يستخدمون هذا العقار المصنع في مصانع أخرى غير المصنع الأصيل!! من بين هذه الشعوب شعوب البرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا والأولان «البرازيل وكوريا» من أكبر عشرة اقتصادات عالمية!! الأستاذ إدريس بحر وزير الصحة الاتحادي شخصية لافتة للنظر فهو رجل محترم مرتب التفكير وأحسبه أكفأ من شغل كرسي وزير الصحة في السنوات الأخيرة بجدارة واستحقاق، وبهذا أثق تماماً أنه لن يحيد عن الحق متى ما استبانه وتحقق منه، ولولا ذلك لما كلفنا أنفسنا مؤونة مناقشة قراره القاضي بإيقاف استيراد الأدوية الحيوية المثيلة من غير مصادرها الأصلية. والقرار في حد ذاته استند إلى قائمة الشروط التي وضعتها لجنة مختصة في المجلس القومي للأدوية والسموم. إلا أن القرار ستعقبه تداعيات يجب أن نتحسب لها ولندرس هذه التداعيات لا بد أن نحيط الوزير علماً بأجواء المصالح والصراعات التي تلف الموضوع خاصة وأن شروط تسجيل هذه الأدوية موجودة منذ العام 2009م، كما أنه لم ترد حتى الآن شكاوى تعجل بصدور هذا القرار في هذا التوقيت بالذات، وستسقط مؤونة التحفظ بيننا حتى نضع الأمور «على بلاطة» وتستبين الأضاليل والدعاوى التي تتحدث عن مصالح المريض والمصلحة العليا، ولنعرف إن كان البعض يخوض معركة مصالحه الشخصية أم معركة المواطن والمريض.