ما أختتم به هذه المقالات تعليقاً على انتخابات اتحاد الصحافيين السودانيين، هو«ملاحظات» نحو عدة «ظواهر سالبة» لم نعهدها في زمان ممارستنا للعمل الصحفي، لا من أساتذتنا، ولا من رؤساء أقسامنا في التحرير قبل أن نصبح نحن رؤساء لمن هم تحت إدارتنا التحريرية، وأكاد أجزم أنها «ظواهر دخيلة» تتنافى مع طبيعة المهنة الصحفية وليست من «قواعد» ممارستها، وتكاد تكون من بين أهم أسباب «تواضع عدد» ما يطبع من ثلثي عدد الصحف المحلية التي تصدر الآن. برمجوا أنفسهم على عدم الرد على متصل أو زائر غير معروف! ومن بين أسوأ تلك الظواهر المسيئة لمن يتصفون بها من الصحافيين، خاصة بعض أصحاب الامتياز، ورؤساء ومديري، ورؤساء أقسام التحرير، «ظاهرة» عدم ردهم على الاتصالات الهاتفية من هواتف لا تظهر أسماء المتصلين، لأنهم «برمجوا» أنفسهم على الرد فقط على اتصالات الهواتف التي يعرفون أصحابها، ولذلك يسجلون بعض الأدعية، أو الأغاني، أو المقطوعات الموسيقية التي تعطيهم «برهة زمنية» لمعرفة الهاتف المتصل، فإذا كان غير معروف، يأتي للمتصل عبارة «لم يرد»! إن الصحافي المتيقظ الحس فيه لا يتجاهل الرد على أي أحد يتصل به هاتفياً، أو يتجشم مشاور الوصول إلى مكاتب الجريدة ويطلب مقابلته مهما كان منصبه في الجريدة، ومهما صغر في نظره شأن هذا المتصل غير المعروف، لأن الحس الصحفي يوحي إليه بأنه قد يقف على خبر يمكن أن يكون «مانشيت» الجريدة، أو يكون مادة تتفرع منها فكرة مقابلة صحفية، أو قضية تحقيق صحفي يكشف أسرار تلك القضية، وقد تكون سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو استخباراتية تمس أمن الدولة، وهذه الظاهرة يجب أن تختفي لأنها ضارة بسمعة من يتصف بها من الصحافيين، ومن «الخطل» أن يتوهم صحافي مهما كان موقعه من المسؤولية في جريدته، أن عدم رده على اتصالات هاتفية لا يعرف أصحابها أو امتناعه بأية حجة صادقة أو كاذبة عن استقبال من جاءه يريد مقابلته، من الخطل أن«يتوهم» أن هذا التصرف المسيء من مقتضيات «البرستيج» وأنه يضفي على شخصيته شيئاً من «الكاريزما»! صحافتنا «صحافة آراء» أكثر منها «صحافة أخبار» لا يحتاج إلى برهان أو دحض مغالطة أن معظم إن لم يكن كل صحفنا هي« صحافة آراء أكثر منها صحافة أخبار». فما من صحيفة إلا وحشدت عشرات أسماء لأشخاص أغلبهم لم يكونوا معروفين في تاريخ الكتابات السياسية الذين يتنافسون على كتابة المقالات والتعليقات والتحليلات في الأعمدة والزوايا التي يصل عددها في بعض الصحف للعشرات، وأغلب ما ينشر فيها لتسويق كتابها، بدليل أن أغلبهم لم يثر اهتمام القراء ليعقبوا على ما يكتب، وبعضهم يناقش ما يكتبه البعض منهم وفي نفس الصحيفة! ولا أتجنى على المهمومين منهم بخلافات الأحزاب السياسية وتقلبات مواقفها من القضايا السياسية، وقليل من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في حياة المواطنين. ولا أتجنى على كثير من الصحف التي باتت تشكو من قلة أو عدم حصولها على الإعلانات الحكومية والتجارية، دون أن تتنبه إلى أن السبب الحقيقي لشكواها هو أنها «أصبحت صحف آراء أكثر منها صحيفة أخبار»، لأن هذا المنهج التحريري هو من بين أهم أسباب قلة قرائها، وفشل توزيعها، قبل عدم أو قلة حصولها على الإعلانات الحكومية أو التجارية، فلو تحولت تلك الصحف إلى «صحف إخبارية» وتتواصل مع كل الناس وتعكس ظروف معاناتهم المعيشية والغلاء الطاحن، وغير المبرر لأسعار السلع الحيوية والضرورية للحياة سواء ما يؤكل ويشرب منها، أو ما يتداوى به من أدوية«إنقاذ الحياة» ليس في العاصمة المثلثة وحدها، ولكن في كل مدن وقرى الأقاليم الولائية. فلو أنشأت الصحف، كل الصحف، أقساماً في إداراتها التحريرية لها أقساماً لأخبار الأقاليم، وعينت رسمياً مراسلين وبمكاتب يعملون بها لتغطية ظروف حياة الناس، لتضاعف عدد ما تطبعه من نسخ، ولقصَّر عدد ما تطبعه عن عدد قرائها مهما بلغ عدد ما تطبعه من نسخ، فإنه لن يكون أكبر من عدد القراء. حاجة الشباب من صحافيي الجنسين لتحسين الأحوال إن تحسين أحوال الصحف المالية بتغيير منهجها التحريري، واهتمامها بأخبار حياة الناس عموماً، من شأنه أن يؤدي لتحسين الأحوال الحياتية للصحافيين والصحفيات من جيل الشباب الحالي، وبالتالي تحسين مستويات أدائهم العملي، وفتح الشهية للتثقف وصقل المواهب المتصل بتطور المهنة، وهذا واحد من التحديات التي تنتظر المجلس الجديد لاتحاد الصحافيين. أسأل الله أن يعينه على ما ينتظره من تحديات لخدمة الصحافة والصحافيين والصحافيات، ومن أجل السودان.