قال المحامي فاروق أبو عيسى رئيس التجمع الوطني المعارض: إن المعارضة قاتلت خطط الإنقاذ 25 عاماً ومستعدة لمقاتلة 25 عاماً أخرى. تخيلو معنويات المعارضين الذين يمنون أنفسهم بسقوط الإنقاذ في ذكرى ثورة سبتمبر 2013م أو في ذكرى أكتوبر 1964م بعد شهر من الآن ماذا يحدث لهم وزعيم التجمع المعارض يقول إنه مستعد لمقاتلة خطط الإنقاذ 25 عاماً أخرى هؤلاء الثوار لا خيار أمامهم غير أن تهبط معنوياتهم وينسحبوا من المعركة ويعودوا إلى منازلهم. فالروح المعنوية في مثل هذه الحالات أمرًا مهماً ولو على طريقة الحاردلو زعيم الشكرية الذي كان يعارض المهدية وهو جالس في داره في مدينة رفاعة وكان أحدهم يأتي له بأخبار الخليفة عبد الله ويقول له إن خليفة المهدي على وشك الهروب من أم درمان وأن الترك على مقربة من احتلال البقعة عاصمة الدولة المهدية وكان شيخ العرب ينصت للرجل باهتمام بالغ ويجزل له العطاء وبعد أن أعاد الرجل قصته على مسامع الحاردلو وكادت أن تكون ممجوجة (من كثرة تكرارها) حاول من كان حول شيخ العرب أن ينصحوه بأن الرجل الذي يأته بأخبار المهدية وقرب نهايتها مجرد مختلق للأخبار وملفق وهو لم يرَ في حياته خليفة المهدي ولم يحظَ ولو بزيارة لأم درمان فرد عليهم الحاردلو بالقول: عارفو كذاب (كضاب) إلا حديثو حلو. وهكذا تكون معنويات المعارضين يمنون أنفسهم بمثل هذه الأحاديث ويقولون لمن خلفهم من الأنصار والأعوان إن النظام لن يمكث في الأرض 25 يوماً سنمهلهم لما بعد العيد لكي نتفرغ لضحايانا، أما أبشر بطول سلامة يا مربع فهذه ليست مسؤولية المعارضة هذه لغة إذا شاءت الحكومة استخدمتها في وجه فاروق أبو عيسى وإن شاءت صمتت ومدت لسانها ساخرة من قوله. إن مشكلة العلاقة بين الحكومة والمعارضة في السودان لا تسندها رؤية إستراتيجية فهي علاقة مماحكة وخصومة لم تفضي لشيء غير أن البلاد هي التي تدفع ثمن هذه الخصومة ولو نظرنا في هذه الخصومة نظرة موضوعية نجد أن هذه المغالاة فقط من أجل السلطة وكراسي الحكم وسبق لهؤلاء المعارضين أن اجتمعوا في حكومة الرئيس نميري وتعاقبوا على الوزارات في مايو ولم يكن لمايو مشروعا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا غير أنها نظام حكم شمولي استخدم عدة أوراق من أجل القاء في السلطة ومن هذه الأوراق ورقة الأحزاب والأيدلوجيات. ولعل المشروع الوحيد الذي يمكن أن نطلق عليه اسم المشروع الإستراتيجي هو مشروع الحوار الوطني والحوار لا يستمد هذه الروح من كونه حوار بين الحكومة والمعارضة ولكنه يستمد ذلك من طبيعته وقابليته للاستمرار والتجدد واختزانه في الذاكرة السياسية فلو استطاعت هذه المعارضة بعد 25 عاماً كما قال الأستاذ فاروق أبو عيسى أن تسقط الحكومة فسوف تلجأ للحوار معها لأن هذا من طبيعة الأشياء. والخطأ الذي وقعت فيه كل من الحكومة والمعارضة هو استخدام الحوار كأداة من أدوات الصراع فالحكومة تريد أن تسوق القوى السياسية إلى نهاية الشوط حتى إذا تبقى من المباراة وقت قليل أدخلت هدف الانتخابات لينتهي اللعب لصالحها وهذا ما عبر عنه خطاب رئيس الجمهورية الأخير أمام مجلس شورى المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم بأن الانتخابات هي استحقاق دستوري ويمكن في غيابها تحدث فوضى كما حدث في اليمن ولا أحد يدعو للفوضى ولكن إذا اتفقت القوى السياسية مجتمعة على تأجيل الانتخابات فلا يوجد داعي للإصرار على الانتخابات والانتخابات أصلاً قادمة بعد الحوار مع مشاركة الجميع. وبعض أطراف المعارضة ترى إمكانية استخدام الحوار في إسقاط النظام ويمكن أن تضمن للحاكمين الحاليين محاكمة ليست بالضرورة أن تكون عادلة وهذا لن يجد القبول حتى لدى أكثر قادة المؤتمر الوطني ديمقراطية وقبول بالآخر إن وجد ولم يحدث عبر التاريخ أن رضي حاكم بأن يتحاور مع خصومه لكي يعزو له من سلطته على طريقة التسليم والتسلم. وعليه فإن الحوار الجاد هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد من الحكم الشمولي إلى رحاب الحكم الرشيد والديمقراطية والحرية والتداول السلمي للسلطة وقد اعترفت الحكومة على لسان وزير المالية ومحافظ بنك السودان بأن السودان بدأ منذ الآن في قطف ثمار الحوار سواء كان ذلك في فك الحظر على التحويلات البنكية إلى داخل السودان أو في ارتفاع أسعار العملة المحلية في مواجهة الدولار الأمريكي أو في حركة الاستثمار الخارجي التي كانت مهددة بعدم الاستقرار والصراع حول السلطة. وإذا أضفنا لهذه المكاسب ما يمكن أن يحدثه الحوار من إنفراج في مجال الحريات بإلغاء القوانين المقيدة لحرية الصحافة وحرية العمل السياسي والتنظيمي فإن الجميع كاسب حكومة ومعارضة وكل عام وأنتم بخير.