عندما علمت أن الأمين العام للمؤتمر الشعبي سيشارك في المؤتمر العام الرابع للمؤتمر الوطني، والذي بدأت فعالياته بالأمس في أرض المعارض ببري، بدا لي أنه هو الذي سيدلي بكلمة ممثلي الأحزاب السودانية، ولكن بدا لي أن توقعاتي لم تكن صحيحة، بعد أن قدم مذيع المؤتمر، الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي جلال الدقير ليلقي كلمة الأحزاب، ولكن قبل كلمة رئيس المؤتمر المرشح عمر البشير أعلن المذيع في حوالي الحادية عشرة إلا ربعاً عن مخاطبة الترابي للمؤتمر، لتضج القاعة بالتصفيق والترحيب الحار والصادق، لم يكن المؤتمرون يرحبون بقائد المؤتمر الشعبي إنما رحبوا بعرَّاب الحركة الإسلامية السودانية والأب الروحي لهم جميعاً.. كانت لحظات دقيقة وفارقة بكل المقاييس تلك الخطوات التي قطعها الترابي في طريقه لمخاطبة المؤتمر، لم تكن ثوان بالحساب انما سنوات طوال من الخصومة والهزيمة المتبادلة التي عاشها الطرفان طوال فترة المفاصلة التي اطّرت لها قرارات الرابع من رمضان العام 1999، ليعود الرجلان مرة اخرى ليخطا معاً قرارات جديدة ومغايرة، قوامها الوطن او على الاقل هذا ما يرجوه المتابعون لمسيرة التقارب بين الرجلين والمؤتمرين. لابد من الحوار قال الترابي الذي بدأ حديثه بتذكير الناس بالوحدة قائلاً «التحايا الى رب العالمين الذي بوحدانيته يذكّر عباده انهم عباداً لله في الوحدة في مبتدأه ومنتهاه اليه» وقال «كنا اشتاتاً من القوى بعضنا ينتسب بنهجه الى الوطني والبعض ينتسب الى الشعبي مؤتمراً، كذلك يخاطب الدعوة وبعضنا يرجع الى اصول الوطن القديم وبعضها احزاب واردة ولكن تريد ان تنزرع في الوطن». وقال الترابي اصابتنا غفلة عن ذكر الله الواحد الذي يوحد العباد، واضاف ان الابتلاءات من حولنا وعظتنا كل ما نظرنا الى افريقيا والعالم العربي والى وطننا وما يحيط به من مكائد، وقال ان ذلك يذكرنا بضرورة الائتلاف. وشدد على اهمية الحوار بتكراره لعبارة «لازم نتحاور». وأكد الترابي ان الابتلاءات في افريقيا والعالم العربي وفي البلاد دعتهم للتحاور والتشاور والتحاور لا للحرب ولا التقيد بل للتوحد، وقال لذلك جاءت فكرة الحوار الذي اجتمع فيه كثيرون ويلحق به اخرون يعتذرون حيناً واخرون خارج الوطن للوصول الى اطار واحد وبعدها تفتح الابواب، دعا الترابي لحوار وطني يتحرر فيه الشعب ولكن لا يتفجر بالعنف، وان ينتظم الشعب ويعمل ولا يتجبر عليه اطلاقاً، كما دعا الوطني ان يبشر الناس الذين قال انهم اصابتهم وطأة الجوع بان يجدوا فرجاً الى جانب بعض الاقاليم التي تظلمت وتأزمت كثيراً، علينا ان نجتمع ونجمع بلدنا في منظومة واحدة وقال لا تختصر على الحدود التي رسمها الاستعمار ولكن قال «لا تخرج فاتحة غازية ولكن تمد يدها الى كل الجهات» واضاف نرجو للوحدة ان تنبسط الى كل ذلك الاطار الواسع، ودعا للانتقال نحو الهدف حركة مأمونة من كل الناس ومضمونة وقال «نريد ان تتفتح لنا البشريات لتتجلى في نهضة بلدنا ووحدته». حسابات واسعة «الترابي بيحسب لبعيد، حساباته واسعة بطبيعته»، تلك هي كلمات الصحفي الاسلامي ذائع الصيت إسحق أحمد فضل الله، ان القضية صارت قضية وطن، وان الاساس في الاخطار القادمة هوالنسيج الداخلي، كما ان اساس خطاب الرئيس والترابي يفيد ان المرحلة القادمة، مرحلة وحدة قوية جداً، واضاف تأملي خطاب الترابي، مع خطاب الرئيس تجدين ذلك بوضوح. حبال الصبر رئيس حزب منبر السلام العادل الطيب مصطفى، أوضح ان مشاركة الترابي تشير الى انه مؤمن بالحوار وراض عن كل الخطوات التي قامت بها الحكومة، وفي الوقت نفسه يمد حبل الصبر على ممارسة الحكومة فيما يتعلق بالحريات وما الي ذلك، واستطرد ليضيف اعتقد انه طالما دعا الرئيس الاحزاب للقاء في اول نوفمبر لاجازة خارطة الطريق واتفاق اديس سننتظر اجازة الاتفاقين، ما يعني ان الحركات الحامل للسلاح ستعود بموجب اتفاق اديس وهذا امر سيوضح مدى جدية الحكومة في الاستجابة لاتفاق اديس وخارطة الطريق هل ستطبقهما ام لا؟، فاذا اجيز الاتفاقان سننظر في التطبيق، فهو سيثبت ما اذا كانت الحكومة جادة ام لا، لان حجة الحكومة سابقاً ان الاتفاقين لم يجزا، يبدو لي أن الترابي سيبني مواقفه القادمة بناءً تطبيق الحكومة لاتفاقي خارطة الطريق واديس ابابا. مشاركة «كويسة» مجذوب أبو علي قال إن مشاركة الترابي «كويسة» ونسأل الله ان تكون بداية للحوار الوطني ووحدة الاحزاب الاسلامية. مشاركة ليست غريبة وزير الدولة بالخارجية عبيد الله محمد عبد الله،قال إن مشاركة الترابي ليست بأمر مستغرب لان الترابي من الاحزاب المؤيدة للحوار، وان مشاركته ليست بالضرورة مؤشراً لوحدة الحزبين لان الشعبي حزب له سياساته ورؤيته، هل وجوده اشارة للعالم بوحدة الاسلاميين في السودان، وقال نحن لم نرد ذلك ولكن العالم الخارجي قد يفهم ذلك. كلمة «موزونة» القيادي بالمؤتمر الوطني بدرالدين طه ذكر أن كلمة الترابي «موزونة» تعبر عن أن حزبه وبقية الاحزاب الحريصة على وحدة البلد، ينبغي ان تدخل في الحوار الوطني مهما تطاول، ومهما صعبت المسيرة، وفي هذا وعي بالظروف التي تحيط بالبلاد واحساس بالمسؤولية بانه لا بد ان تتحد مسيرة الوطن حول القضايا الكبرى، واعتقد ان مشاركة الترابي رسالة لكل الاحزاب الوطنية في المعارضة لتصبر على مسيرة الحوار وتجاهد لكي يصل الحوار الى مبتغاه، وان الحوار هو الذي سيؤسس لوطن مستقل وعزيز، ومن بعد الوصول لغايات الحوار من تداول سلمي للسلطة بحرية كاملة وبشفافية، وانا اعتقد ان هذه الخطوة مباركة واتمنى من سائر الاحزاب التي ما زالت بعيدة عن الحوار ان تنتظم في الحوار، وان تستدرك بانه اذا تمزق الوطن فان ما يعود على الوطن من جراحات ستمس الجميع، ولذلك ان حضور الترابي للمؤتمر ومخاطبته مبادرة طيبة، ونتمنى ان يسير الحوار بقيادة الرئيس الى افاقه، وان يدرك الجميع بما فيهم الوطني ان الحوار ينبغي ان يكون جاداً وان يصل الى مبتغاه واهدافه لكي يستقر الوطن، ويضع حاملو السلاح ويطمئنوا للحوار ويشتركوا فيه ويضعوا السلاح وتصل احزاب المعارضة لكلمة سواء مع احزاب الحكومة، وتصبح اللحمة الوطنية واحدة وهذا هو السبيل الوحيد لتقدم الوطن بحيث يتم تداول السلطة فيه سلمياً. وبشأن ما اذا كانت مشاركة الترابي رسالة للعالم الخارجي بوحدة الاسلاميين قال بدر الدين طه، انا افتكر ان العالم يدرك ان ما توصل اليه دكتورالترابي والرئيس ليس هو وحدة الاسلاميين باي حال من الاحوال الان، ما توصل اليه الاثنان هو ان الوطن الان يحتاج الى تضافر ابنائه وتكاتف القوى السياسية ويحتاج الى ان نبني قاعدة للحوار تنتهي الى وفاق وطني وتنتهي الى دستور دائم وتداول سلمي للسلطة واعتقد ان المؤتمرين تجاوزوا مرحلة الحديث عن الائتلاف اوالوحدة، الى افاق حل قضية الوطن التي يتحملان فيها عبئاً كبيراً حسب مسؤوليتهما في هذه المرحلة.