يظل الحديث عن التوريث في مختلف توجهات الأحزاب السياسية والطائفية والعقائدية وغيرها أمر وارد خاصة إذا نظرنا إلى تاريخ الحزب وكل الذين تربعوا على عرش زعامته، في هذه المساحة «الإنتباهة» حرصت على فتح هذا الملف في الأحزاب بكافة أنواعها وتوجهاتها وإمكانية وجود ظاهرة التوريث في أبرز الأحزاب الطائفية والعقائدية ان وجدت. وما ان يتم أي حديث عن التوريث في الأحزاب إلا ويقفز في الأذهان الحزب العريق والكبير حزب الأمة القوي الذي يتزعمه السيد الصادق المهدي كواحد من أكبر وأهم الأحزاب الطائفية لذلك نتناول في هذه الحلقة مدى صحة أي حديث عن توريث الحزب لآل المهدي خاصة أن هناك آراء قيادات داخل الحزب ترى أن التوريث في حزب الامة واقع لا محالة في حين أن هناك آراء مناهضة وترفض أي حديث عن توريث المهدي الزعامة لأحد أبنائه.. إذاً في هذا الملف حاولنا أن نلخص جل الآراء حول هذه القضية. توريث حميد وآخر خبيث حزب الأمة القومي، بوصفه من الأحزاب الكبيرة، أصبح الآن يعاني من إفرازات قضية الخلافة والزعيم المنتظر الذي سيجلس على كرسي الإمام الصادق في المستقبل، فالشاهد أن تركيبة الحزب وخصائصه وأحواله الآنية جعلت من موضوع الخلافة قنبلة موقوتة وقضية صامتة وواقعاً مسكوتاً عنه حتى أن مسألة التوريث في الحزب مسألة غير واردة لدى الكثيرين خاصة من المقربين من الصادق المهدي في وقت يظهر تيار بالحزب يؤكد وجود مسألة التوريث وأنها واقع مخطط له، لكن المهدي في أوقات ظل تارة ينفي وتارة يؤكد بطريقة غير مباشرة ففي العام 2012م قال الصادق المهدي أثناء مخاطبته اجتماع اللجنة المركزية للحزب بدار الأمة القومي انه لن يتنحى عن قيادة حزب الأمة، كما دافع عن مبدأ التوريث وقسَمه إلى قسمين خبيث وحميد، وقال: إن ابناءه يدخلون في صنف التوريث الحميد لما قدموه من عطاء، وأردف بالقول: «أولادي جو حزب الأمة وقت المُرّة ما الحلوة» واستدل بالآية الكريمة: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وفي رده على سؤال لصحيفة البيان الإماراتية في وقت سابق عن التوريث قال الصادق المهدي: «هذا كله كلام فارغ ومزيد من الحسد»، لم أدع أحداً من أبنائي أو بناتي للعمل في الحزب، فهم أتوا بحسب استعدادهم ولم يأتوا للمغانم بل أتوا للمغارم. والحزب يواجه اعتقالات وسجوناً وضرباً، ولا توجد به مغانم، لكنهم أتوا ليكافحوا ويناضلوا. ومع الحديث السائد بإعداد الصادق المهدي لأبنائه لورثة زعامة الحزب إلا أن ذلك لن يحدث إلا بعد وفاة الإمام لأن الصادق ما زال متمسكاً بالزعامة لنفسه. مريم وجدل التعيين جدل كثيف صاحب تعيين مريم الصادق المهدي نائباً لرئيس الحزب والذي تفاجأت به الأوساط السياسية وحتى في حزب الأمة لكن فيما يبدو أن أمر التعيين كان بمثابة بالون اختبار ولعل الإمام الصادق المهدي قد مهد لهذه الخطوة واختيار ابنته نائباً لرئيس الحزب بخطوة سابقة عندما قام بتقديم واقتراح خلال اجتماعات الهيئة المركزية الأخيرة بإقالة الأمين العام الدكتور إبراهيم الأمين واقتراح آخر بترشيح السيدة سارة نقد الله أميناً عاماً للحزب ليكون من بعد ذلك تعيين الدكتورة مريم نائباً للرئيس أمراً مقبولاً في أوساط الحزب كل ذلك ويتهم خصوم الإمام داخل الحزب هذه الإجراءات التي اتخذها الإمام خلال أعمال الهيئة المركزية بأنها غير قانونية وغير مؤسسية. ويرى الكثيرون أن زعيم الحزب الصادق المهدي آثر أن يكون خارج البلاد عند إعلان خبر تعيين مريم حتى يدرك حجم رد الفعل من داخل الحزب ومن الشارع العام، خاصة الإعلام، ومن ثم يبني عليه موقفاً محدداً إما بتعليق التكليف إلى أجل غير مسمى أو يعلنه في حالة كان هناك قبول مناسب أو حتى انقسام بين مؤيدين ورافضين، ولكن لعل كل المؤشرات تشير إلى توريث زعيم حزب الأمة لابنته المحببة لديه كنائبة كمدخل للتوريث الكامل أمر لا محالة سيتحقق فقط في انتظار الظروف الموضوعية لتحقيقه، الدكتور إبراهيم الأمين الأمين العام السابق بحزب الأمة أكد في حوار صحفي مع الزميلة المجهر أن «المهدي» يهدف لتحويل حزب الأمة من حزب يمثل قطاعات عريضة من الشعب إلى حزب يديره لمصلحة مجموعة صغيرة، بجانب رغبته في توريث الحزب لأسرته. ويضيف أن الصادق المهدي ظل يكرر مقولات من شاكلة (الما عاجبو يمشي) و(الباب يفوت جمل). وكل هذه تدل على أن رئيس الحزب يتعامل بذهنية مفادها أنه صاحب ومالك الحزب، وأنه يقوم بالإعداد لمن يورثه مستقبلاً من أبنائه. لكن نائب رئيس الحزب الفريق صديق محمد إسماعيل قال ل (الإنتباهة) إن مسألة التوريث غير واردة في الحزب ولم يسع أي قائد من حزب الأمة لتوريث الحزب ابنه إنما كل من تولى قادة الحزب أتوا بجهدهم وكسبهم ثقة الناس وواقع الحزب الآن ليست هناك وراثة بدليل أن الحزب حتى الآن لم يعين أو يذكي أي أحد من أبنائه في منصب حتى مريم الصادق لم تعيين نائب للرئيس ولم يصدر أي قرار من الصادق المهدي بتعيين مريم. وهي الآن عضو في مجلس التنسيق. ولم يكلف أحد من أبنائه لأي منصب، ويضيف نواب الرئيس ليسوا من آل المهدي اللواء فضل الله برمة ليس من آل المهدي من كردفان كذلك شخصي من دارفور ومحمد عبد الله الدومة من دارفور وتساءل صديق هل بعد تعيين هؤلاء النواب من خارج بيت آل المهدي هل هنالك مساحة للحديث عن التوريث. فمنصب النائب يحل منصب رئيس الحزب في حال غيابه وحتى إن حدث أمر الله فتلقائياً سيصبح نائب رئيس الحزب هو رئيس الحزب حتى ينعقد مؤتمر الحزب العام والذي «ينتخب فيه وقد يأتي من آل المهدي أو من خارج أسرة المهدي ويضيف صديق في إطار الخلافة أحد نواب الرئيس يحل محل الرئيس. الخبير والمحلل السياسي عباس إبراهيم يقول «لا أعتقد أن خليفة الإمام الصادق سيكون من خارج بيت المهدي، فالمسألة تصطدم بمركز القوة الروحية والوجدانية في الحزب المتمثلة في آل المهدي، وجمهور الأنصار لا يمكن أن يصادق على هذا الأمر؛ لأن رمزية وقداسة بيت المهدي منقوشة في دواخل هؤلاء، ولا يمكن أن تذوب في الوقت الراهن!! ويضيف قائلاً: هنالك نقطة جوهرية تتمثّل في قبضة آل المهدي على أسرار الحزب ومكوناته، فضلاً عن معرفتهم التامة لطرائق التعامل الخارجي من تمويل وتحالفات وادراك لعملية توازن المصالح، ولا أرى أن هذه الأشياء تدركها قيادات الحزب من خارج بيت المهدي!. المهدى يسعى للتوريث القيادي بحزب الأمة صديق مساعد له رأي مخالف بشأن توريث المهدي الزعامة لأحد أبنائه، ويرى أن مسألة التوريث في حزب الأمة أصبح واضحاً ومؤكدًا فكل الدلائل تشير إلى ذلك وتنصيب مريم يعتبر بالونة اختبار للبحث عن موقع لمريم فالمهدي لا يريد أن تذهب الزعامة من أبنائه. ويضيف أن مسألة التوريث ستضر بالحزب باعتبار أن الحزب أصبح نشاذاً ونحن في العقد الثالت من الألفية الثالثة خاصة لحزب طائفي وكما هو معلوم أن الطائفية الدينية في السودان تحولت إلى العمل السياسي ولم تنجح والحديث لمساعد الذي يضيف أن عدم وجود أي ثمار للعمل السياسي في الإطار الأسري بل أصبح جزءًا وسبباً مهماً للصراع الدائر في الحزب والواقع الأليم الذي يعيشه. وما يدور في الحزب جعل أمر التوريث ليس ببعيد والخلافات التي ضربت الحزب مؤخراً أخرها الأزمة التي يعيشها حزب الأمة القومي بعد إقصاء الأمين العام للحزب الدكتور إبراهيم الأمين الذي أكد أن ما يتم الآن في حزب الأمة بعيد كل البعد عن الديمقراطية والمؤسسية. حديث الدكتور إبراهيم ليس بجديد فقد جادل بسببه الأحباب كثيراً وعانوا الأمرين فكان نصيبهم الإبعاد والفصل وما مذكرة نداء التغيير أو المذكرة الألفية التي وقعها ألف من الكوادر الفاعلة في الحزب بالداخل والخارج بتوقيعاتهم في العام «2012م» ببعيدة عن الأذهان، حيث طالب الموقعون الإمام صراحة بالتنحي ولكنه رفض المذكرة والاستجابة لمطالب الموقعين وتشير أصابع الاتهام إلى ابن عم الإمام مبارك الفاضل وضلوعه في هندسة هذه المذكرة. عدد كبير من قيادات وأعضاء في حزب الأمة أجمعوا على أن الإمام الصادق المهدي يرتب لتوريث قيادة الحزب لواحدة من بناته أو ابنه، ومع هذا الترتيب تتقافز الأسئلة عن مستقبل أبناء عمومة الصادق المهدي وهم من الأنصار المؤسسين لحزب الأمة وتحديداً يكون السؤال حول مستقبل مبارك الفاضل، هذا إذا لم نغفل قيادات كبيرة وفاعلة في الحزب من الأنصار وأبنائهم. إلا أن بعض المراقبين يرى أن فرض الصادق المهدي لأبنائه على الحزب سيكون المسمار الأول في نعش الكيان الذي وان بدأ متماسكاً اليوم فذلك بفضل الإمام نفسه وكاريزمته وقدرته على المحاورة والمداورة والتفاف عدد من المريدين حوله وقد لا يوجدون في الغد. وبحسب مراقبين فإن فرص كوادر الحزب الأخرى من غير بيت آل المهدي ضعيفة في الوصول إلى زعامة الحزب لأن التاريخ لم يسجل أي رئيس لحزب الأمة من خارج بيت المهدي، كما أن فرص تطبيق الديمقراطية في هذا المجال لن تكون خاصة. عدد من الآراء ذهبت إلى أن أمر التوريث في الأحزاب يمثل خطرًا عليها وهو أشبه بجرثومة تهدد الأحزاب الطائفية باعتبار أن هذه الأحزاب لها قواعد كبيرة كالأنصار في حزب الامة والختمية في الحزب الاتحادي، إذا خلاصة القول ومع كل الإفادات السابقة التي انحصرت ما بين تأييد ورفض حول مسألة التوريث في حزب الأمة يبدو أن هنالك جهات في الحزب لا تريد الإقرار بوجود أي نية للتوريث وأن الأوان ليس مناسباً للحديث عنه. في وقت راهنت قيادات أخرى بوجودها وأن الأيام ستكشف هذا.