أذكر أنني كنت من أوائل الدفعات التي بنت جامعة القرآن الكريم وساهمت في وضع أساسها وقد درست بكلية اللغة العربية مطلع التسعينيات عند بداية إنشاء وتكوين الجامعة بدمج معهد أم درمان العلمي العالي مع كلية القرآن الكريم. وقد جاءنا بعض الذين يعملون في أجهزة الإعلام منهم الشهيد عبد الحي الربيع الذي تنبأنا له بهذه المكانة الرفيعة بحكم أخلاقه العالية وتدينه وبراءة قلبه الأبيض والحاج أحمد المصطفى مدير إذاعة النيل الأبيض والأستاذ الكبير الرقم الصادق الرزيقي وغيرهم وكان هدف إلحاقهم صقلهم بمعرفة اللغة العربية حتى يحذقون عملهم في الجانب الإعلامي بمختلف أجهزته. سكن معنا الأستاذ/ الصادق الرزيقي بداخلية الجامعة بعمارة (عشا الضيفان) بالثورة الحارة الخامسة وقد كان شاباً في مقتبل العمر نحيل الجسم نحيفاً قليل الكلام والطعام، كثير الإطلاع، يخرج كلماته بانتظام كالعقد النضيد، لا يبحث عن كيفية تركيبها لتحدثه بسليقة وفطرية رائعة، تستمتع بحلو حديثه ومعشره. وكان الصادق الرزيقي يركز اهتمامه بالقراءة الواسعة والكثيفة، فلا يشاركنا في لعبة كرة القدم أو المنتديات العفوية التي كنا نعقدها ونتفاكر فيها حول كثير من الموضوعات أو المواضيع الأكاديمية والثقافية والاجتماعية والسياسية، فكان يحب العزلة نوعاً ما ولكنه صاحب بديهة حاضرة في تعامله معنا. بعد فترة من حضوره إلينا علمت أنه يعمل صحفياً بصحيفة (ألوان)، وأدركت سبب التحاقه بها حينما نشر الأستاذ/ حسين خوجلي بعموده قصيدة مجهولة النسب وطلب من صاحبها حضوره إليه، فجاء إليه الشاب الصادق الرزيقي ومن يومها صار كاتباً راتباً بها وانقطع عنها فترة بعد تخرجه في الجامعة والتحاقه بالملحقية الثقافية بسفارة السودان بالجماهيرية العربية الليبية. وبعد عودته رجع إلى (ألوان) مرة أخرى وتدرج بها حتى صار مديراً للتحرير وظلَّ على هذا المنصب حتى تمَّ تعيينه رئيساً لتحرير صحيفة (الإنتباهة). وحين توليه هذا الأمر أحدث نقلة كبرى بها وانقلاباً عظيماً في سياساتها مما جعلها الصحيفة الأولى على تتالي السنين والأعوام، وبفضل إدارته الرشيدة وقيادته الحكيمة صارت (الإنتباهة) الصحيفة الإعلانية المرغوبة من الجميع لانتشارها الواسع حتى أنه يتم الحجز للإعلان بها لأكثر من أسبوعين بسبب كثافة الإعلانات والتدافع والإقبال المتواتر. ومما أعجبني في الرزيقي أنه أربأ بنفسه عن الانشقاق الذي حدث بين قيادات منبر السلام العادل والخلاف الذي برز حول الأسهم بصحيفة (الإنتباهة) لأنه كرَّس جهده وحصر نفسه في العمل المهني والتحريري رغم بعض السهام التي طالته من البعض ولكنه لم يكترث لها وظلَّ مداوماً على تطوير وازدهار صحيفة (الإنتباهة) التي واصلت في طريقها النيّر ومسيرها الخيّر مما جلب لها احترام القُراء. سعدت كثيراً باختياره نقيباً للصحفيين لأن مؤهلاته العلمية والثقافية وعلاقاته الاجتماعية تكفيه لشغل المنصب على أفضل ما يكون، وفي جعبة الرجل الكثير الذي يمكن أن يقدمه للعمل الصحفي، فأصبروا عليه وأمسكوا الخشب، فإن خيركم على يديه بإذن اللَّه. وبانت بدايات أعماله من خلال لقاءاته مع قيادات الدولة ونصائحه لهم بعدم مصادرة الصحف وأن يكون القضاء هو الفيصل بين المتضررين من النشر، فضلاً عن السيارات التي عقد أمر شرائها مع شركة جياد، ورغم الشكوى من ارتفاع أسعارها إلا أن ذلك للراغبين والمقتدرين وهو مشروع طيب يمكن يفيد الإخوة والزملاء الصحفيين، ودونكم أن جميع صحفيي وصحفيات (الإنتباهة) امتلكوا وإمتطوا السيارات حتى الذين تخلوا عنها وذهبوا إلى صحف أخرى كانت بحوزتهم فائدة السيارات التي ركبوها وهم ب (الإنتباهة). أخي الصادق الرزيقي.. بفضل وبحكم معرفتي اللصيقة بك منذ زمالتنا بالجامعة وحتى الآن أثق بأنك ستقود سفينة العمل الصحفي إلى بر الأمان ونزع كل ما يعيق مسيرتها ونبارك للمنصب توليك له وتشريفه بك. أما ثقافته العالية والمتنوعة فتتجلى في القطعة الأدبية الأنيقة الألفاظ والرائعة المعاني التي ظلَّ يتحفنا بها كل جمعة، وتعامله الراقي مجمع وملتف كل من تعلق به واقترب منه.