عندما كنا في المدارس «الأولية».. «الابتدائية» المعروفة حالياً بالأساس.. كان أساتذتنا.. اللَّه «يطراهم بالخير» ويرحم من توفي منهم.. ويطيل عمر من ينتظر.. كانوا لا يتورعون عن «جلد» أي تلميذ يخطئ.. أو يغلط بإهمال أو يتأخر عن حضور طابور الصباح.. أو يحضر للمدرسة بملابس غير نظيفة.. أو حتى لا يقلِّم أظافره.. أو لا يحلق شعره بأدب، وكان العقاب أنواع وأشكال.. ورغم ذلك لم يحدث أن تأذى تلميذ من العقاب.. أو أُصيب بأذى جسيم.. أو مات جراء العقاب.. فقد كان الفهم آنذاك أن الأساتذة «آباء».. والعقاب يقع حسب الجرم الذي يرتكبه التلميذ حتى لو كان إهمالاً في أداء الواجب المنزلي.. وكان بعض الآباء وأولياء الأمور يشتكون أبناءهم لأساتذتهم ليعاقبوهم إيماناً بأن عقاب المدرس للتلميذ يظل عالقاً بذهنه ويمنعه من تكرار الخطأ.. ولما يتميز به الأستاذ من شخصية ومكانة رفيعة في أعماق التلميذ.. والجميع. أحياناً يكون العقاب بالمسطرة الخشبية على ظهر أصابع التلميذ.. حتى تتورم.. وأحياناً «أربعة من الصف الأخير» من عتاولة التلاميذ يحملونه من الأرض ورأسه وبطنه تجاه الأرض ثم يجلده الأستاذ إما بالسوط أو «بالبسطونة» وهي عصا رفيعة من الخيزران.. أو بالخرطوش البلاستيكي ويجلد على «مؤخرته» بانتظام وبعدد محدد من الضربات.. ويشهد عقابه زملاؤه من الصف أو جميع التلاميذ في طابور الصباح.. فيكون عظة لمن يعتبر.. ولم يحدث أبداً أن جاء والد أو والدة لتلميذ أو ولي أمر متظلماً بسبب عقاب ابنه.. لأنهم واثقون أن ما تفعله المدرسة يصب في مصلحة الأبناء.. ومهما كان العقاب قاسياً ومؤلماً فإن النتيجة دائماً إيجابية. وعندما تقدمنا للمدارس المتوسطة كان العقاب هو العقاب.. يقف الطالب متكئاً على كرسي الخيزران ممسكاً به بيديه لينال عدداً من الجلدات حسب ما يرى الأستاذ.. وأذكر أننا كنا نُجلد على ظهورنا «بحبل التيل» المبروم.. أما بعد دخولنا إلى المرحلة الثانوية فإن العقاب لم يتوقف ولكنه كان ينفذ بواسطة «صول المدرسة» وحسب توصية الأستاذ بالجلد أو الوقوف لساعات «ووشك في الحيطه» وأياديك مرفوعة إلى أعلى وفي بعض الحالات يكون العقاب بالجري حول ميدان كرة القدم عدة مرات أو بالوقوف أمام الشمس لساعات أو بعمليات «البوش أب» على الأرض.. ولعدد محدد أيضاً.. وهكذا كان العقاب دائماً في مصلحة التلميذ أو الطالب مهما كان قاسياً.. كان مفيداً. دعاني لاجترار هذه الذكريات ما ورد قبل أيام بالصحف من خبر يتحدث عن لائحة منع عقوبة الجلد بالمدارس الشيء الذي أدى لتطاول بعض التلاميذ على أساتذتهم.. واستغلال بعض الأسر لقانون الأسرة والطفل ضد المعلمين الذين يعاقبون أبناءهم.. ولا أعتقد أن الوزارة ستصل إلى حل لهذه القضية وفهمها لا يغادر ارتفاع حالات الجنون والأمراض النفسية وسط المعلمين فتعيين المعلم على أيامنا يختلف تماماً عن تعيينه اليوم.. مثلما أن تأهيله أيضاً يختلف وكذلك خُلقه وتربيته ودينه وإخلاصه لمهنته.. مثلما لم يعد بيت الشعر الشهير «قم للمعلم وفه التبجيلا...» يعني عند تلاميذ وطلاب هذا الزمان شيئاً.. والذي أصبح الأستاذ يشارك فيه تلميذه كيس التمباك.. و«يخمِّس معه السجارة».. في حين أن ذلك الزمان كان الطالب أو التلميذ إذا رأى أستاذه في الشارع يسارع بترك الشارع له ويقف منتصباً إذا كان جالساً ومّر عليه أحد أساتذته. وأذكر على أيامنا أن أحد أساتذتنا الأجلاء كان يحدد أحد أيام الأسبوع ليختار فيه حصة للمراجعة والتسميع والحفظ والعقاب الحاضر لمن يفرط في حفظه أو واجباته المدرسية فيكتب على السبورة «الحصة كعّة». والفرق واضح للجميع في مستويات التعليم والتعامل من الأساس وحتى التخرج في الجامعة اليوم. كانوا يقولون زمان «أضربوهم فالضرب ينفعهم والعلم يرفعهم». فكيف إذاً يكون العقاب.. «غرامة واللا سجن؟؟».