ما أخطأك ما كان ليصيبك ... وما أصابك ما كان ليخطئك. وما أصاب الطالب عبد العزيز حيدر حسن بالسنة النهائية بكلية الهندسة الميكانيكية بجامعة السودان ما كان ليخطئه. عبد العزيز وعدد من طلاب الكلية كان في زيارة لمصر وهذا برنامج تعده إدارة الجامعة لطلابها في سنتهم الدراسية الأخيرة ليقفوا على تجارب الدول الشقيقة في مجالهم. عبد العزيز وهو في مقتبل العمر بسنيه التي بلغت الثانية والعشرين ذهب مع زملائه إلى مصر وهو مفعم بآمال عراض وتطلُّع لمستقبل زاهر يخدم فيه وطنه ويُسهم في رفعته، تقاطعت آماله مع أمر لم يكن في الحسبان. ففي يوم الخميس 15/ سبتمبر الماضي والطلاب ينفذون جزءًا من برنامجهم لزيارة مصنع الحديد والصلب في حلوان حدثت الكارثة متمثلة في سائق ميني بص أو ما يُطلق عليه ميكروبص، حيث كان السائق مخموراً ولا يملك رخصة قيادة ويده الشمال مشلولة كما إنه سارق للبص.. وقد استغل كل ظروف الفوضى التي تعيشها مصر فخرج بالبص لا يلوي على شيء وهو يحمل عليه عدداً من الركاب. في هذه الأثناء كان عبد العزيز قد عبر الشارع إلى التلتوار في منتصف الشارع وتلك منطقة بكل المقاييس آمنة. ولكن السائق المتهور الذي لا تقدر شماله إمساك دريكسون البص ويحاول جاهداً أن ينعطف شمالاً بيد واحدة ليعمل واحد «يو تيرن» وفي سرعته تلك قفز على التلتوار ودعس عبد العزيز وألصقه على أحد أعمدة الكهرباء وقد هشم رجله اليمنى تماماً في منطقة الفخذ. كل ذلك تم «كالقدر المستعجل» كما يقول الإخوة المصريون وتحت نظر طلاب الكلية الذين فاجأهم ذلك القدر المستعجل جداً. فهبّوا لنجدة أخيهم الذي كان ينزف بغزارة. حمل الطلاب أخاهم إلى مستشفى أمبابة ولكن إدارة المستشفى أخبرتهم بأنهم لا يستطيعون فعل شيء فالمستشفى فارغ كفؤاد أم موسى. وحمل الطلاب أخاهم عبدالعزيز إلى مستشفى القصر العيني الذين حولوهم إلى مستشفى الهلال الذين استقبلوا عبد العزيز وكان قد نزف معظم دمه. فأخبروا الطلاب أنهم لا يستطيعون إجراء عملية له والضغط عنده منخفض لا يسمح بإجراء عملية سريعة وعليه يجب على الطلاب شراء زجاجات دم والزجاجة تكلف 800 جنيه مصري.. وتدخلت السفارة مشكورة في اليوم الثاني يوم الجمعة ومدتهم ببعض الزجاجات وتحصل الطلاب على زجاجات أخرى بلغت خمس عشرة زجاجة بعد أن حولوا مصاريف الرحلة لإسعاف أخيهم. مضى يومان على الحادث وبعد الفراغ من نقل الدم وإجراء العملية في اليوم الثالث وجد الأطباء أن غرغرينة من درجةٍ ما قد أخذت تنتشر في الرجل التي تورمت إلى حد مخيف.. فما كان منهم إلا أن بتروا الرجل من منطقة عالية في الفخذ. بقى عبدالعزيز في المستشفى أسبوعاً، وأسبوعاً آخر قضاه خارج المستسفى بصحبة زملائه وأخيه محمد الذي خفّ من السودان للبقاء بجانبه. عبد العزيز الذي كان يسير على رجلين وقد التحق بكلية الهندسة الميكانيكية بجامعة السودان ولم يتبقّ له إلا هذا الفصل الدراسي الحالي وجد نفسه برجل واحدة في حين أن خريجي الهندسة الميكانيكية يحتاجون لأربعة أرجل وأربعة أيادٍ يعوضونها بالمفكات والمفاتيح والزرقينات. والذي حدث بعد ذلك لا يحدث إلا من سوداني ابن سوداني أصيل مؤمن يختم ببصمته على حائط كل مأساة مهما تعاظمت.. فقد زاره في المستشفى شرطي مصري سجل أقواله وهو يخبره أن الإجراءات ستأخذ مجراها مع السائق المتهور فما كان من عبد العزيز وهو يرقد على سرير المستشفى إلا أن أخبر الشرطي أنه متنازل عن حقه وأنه يعفو عنه لوجه الله تعالى. عبدالعزيز يقول لي: «السائق في سني تقريباً، والده يعمل بواباً وهو يعول عائلة مكونة من عدد من الأفراد ..». عاد عبد العزيز إلى السودان وهو الآن يواصل دراسته برجل واحدة وعكازة طبية يتعكز عليها.. وقد بدأ زملاؤه في حملة لجمع تبرعات لإرساله خارج السودان لتركيب رجل إليكترونية صناعية له. وقد وصلت تبرعات من عدة جهات حكومية مشكورة ولكن لا يزال الأمل كبيراً في مروءة الخيرين من أبناء هذا الشعب فباب الجنة مفتوح على مصراعيه والفينا مشهودة وأتوقع أن يتم الاتصال به على جواله بالرقم 0925981672 للاطمئنان إليه وإلى صحته فما حدث لعبد العزيز ممكن أن يحدث لأيٍّ منا. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع.