كتبت مقالاً في هذه الصحيفة الرائدة قبل أسبوع بعنوان «لا تُشاوِرْ مَن لَيسَ في بَيتِهِ دقيق!» أشرت فيه إلى الفجوة الغذائية أو بالأحرى المجاعة وشيكة الوقوع في شمال كردفان نظراً لتوقف الأمطار قبل الحصاد مما أدى إلى فشل الموسم الزراعي تماماً وزاد الأمر سوءاً بنقص المرعى في كثير من مناطق الولاية ولذلك شرع الناس هناك في التخلص من مواشيهم خشية الإنفاق عليها. وقد وجد المقال اهتماماً من الإخوة الكتاب عبر صفحات الجرائد والمواقع الاكترونية وأجمعوا كلهم على صحة ما ذهبت إليه من خبر المجاعة. وسأقدم مقتطفات مما كتب هؤلاء الإخوة ونبدأ بما سطره صاحب القلم السيّال أستاذنا أحمد المصطفى إبراهيم حيث قال «صراحة المقال جعلني أرتجف وأنا أتخيل أهلنا في شمال كردفان في حالة نزوح للخرطوم أو الجزيرة على دوابهم ميمِّمين وجوههم شطر الأنهار، رحمتك يا رب اللهم الطف بهم. بالله كيف يشعر بمرارة مقال محمد التجاني من همّه في نادي القولف ويا له من إنجاز عظيم يتناسب والسودان بلد المترفين جداً والذين على ظهور جمالهم وثيرانهم يبحثون عن الماء والكلأ. بالله كيف يهنأ وزير بامتيازاته ومخصصاته ورحلاته وجزء كبير كشمال كردفان تتهدده المجاعة وملوة الدخن فيه بعشرة جنيهات؟ أرجو شاكراً قبل مخصصات جيش الوزراء الذي عُيِّن بالأمس أن تستقطعوا من مخصصاتهم ما يكفي لسد الفجوة الغذائية في شمال كردفان». أما البروفسور عصام البوب الذي يتابع هموم كردفان على مدار الوقت فقد خالفنا الرأي بقوله «إن الأمة السودانية تحتضر بأسباب كثيرة، ولكن الجوع هو منظورها في الشهور القادمة. نعم يا أخي، كلامك صحيح ولكن بعكس كلام صديقنا التيجاني، الأمر لن يحدث في المستقبل بل هو حادث الآن، الجوع أمر حقيقي في كردفان شمالاً وجنوباً. جنوباً بسبب الحرب وشمالاً بسبب فشل الموسم الزراعي وانهيار السياسات الاقتصادية الفاشلة والجشعة في تشجيع المنتج. يا أخي، أنا أعلم أن ما أبطأ طوفان اللاجئين حتى اليوم من الوصول إلى أم درمان، هو الذهب ووجود المال الآن لشراء القوت بأي ثمن، ولكن وجود الحبوب هو الأساس وهو محدود في السودان كله هذا العام وسنصل إلى انعدامه بسبب الكذب». وهذا كلام صحيح إذ ترك معظم الأهالي العمل بالزراعة وراحوا يطارودون وهم وسراب الثراء السريع في صحارى الولاية الشمالية ونهر النيل. أخونا الكاتب المعروف عبد الرحيم سعيد يلوم الظروف الطبيعية ويطالب جهات الاختصاص بالقيام بواجبها من أجل إدراك أهل المنطقة قبل فوات الأوان حسب قوله «ونحن نؤكد ما ذهبت إليه ونؤكد أننا في أشد الحاجة لحلول تنقذ انسان كردفان وحيوانها من مخالب الطبيعة ومع العلم بأن هذه ليست مشكلة الحكومة ولكن عليها اتخاذ كل الخطوات اللازمة للتخفيف من وطأة المجاعة وذلك باستنفار العالم ليقف معنا؛ إن المجاعة لا تعني فقط انعدام السلع، بل عند وجود هذه السلع وعدم مقدرة الناس على الشراء فهذه مجاعة بحد ذاتها.. فإذا أنت أطلقت إنذاراً للجهات المعنية المتكاسلة لتجهيز مخزونها الإستراتيجي استعداداً لهذه الكارثة، فإني أقول إن واقعة المجاعة على وشك الوقوع في جنوب كردفان أيضاً». و خاطب أحد الكتاب السيد الوالي بأسلوب فيه كثير من الشفقة على أهل كردفان حيث قال: «كما يمكن ان تقدم البنوك القروض لأهل المنطقة بضمانات زعاماتهم الأهلية لإنشاء الدوانكي واحواض المياه وبذلك تكون قد حافظت على المكون الحيواني في هذه المنطقة إذ إن الناس قد بدأوا في بيع بهائمهم بالجملة وكثير منهم يمَّم صوب ام درمان لينضم الى اكبر معسكر للنازحين في العالم وهو ما يسمي «بدارات السلام» حيث أهلك يعيشون على هامش الحياة وخارج دائرة الانتاج ودعك عن تكوين حكومة الولاية الآن لأنها ليست ضرورة وأصرف مجالسها الى حين نزول الامطار واستقرار الناس وتجاوز مشكلتهم واكتفِ بنائبك ومستشارين بعدد جهات ولايتك وكون مجالسك المساعدة من أهل كردفان بالعاصمة والاغتراب ليتدافعوا نحوك كل هذا لأني عائد من هناك وأعلم أن الوضع في مجمله لا يبشر بالخير». أما الركابي أحمد الكردفاني الأصيل فيدق جرساً من نوع آخر بقوله «الجوع كافر والجائع لا يهاب السلطة والسلطان ولا يخاف الموت، وليس ببعيد ثورتا تونس ومصر، فهما بكل المقاييس ثورتا جياع، انشغل الحكام بأنفسهم وبطانتهم الفاسدة وفقدوا الإحساس بوقع رحى الجوع والفقر والحاجة التي ظلت «تهرس» شعوبهم «الغلبانة» منذ زمن بعيد فكان ما كان من فعل الغلابى الجياع ، إذ بقروا «كروش» المترفين في السلطة والبطانة قبل إطاحة الرؤوس، وقد سبقهم الفرنسيون عبر التاريخ.. الإنسان كرامة وعدو الكرامة مثلث الجوع والفقر والحاجة، فإذا قُدر لهذا الثلاثي المساس بالكرامة واهانتها فلذلك ما بعده.» وحسب رأي عبد الرحيم أحمد يوسف نحن لا نتوقع من حكامنا أن يكونوا مثل العمرين الفاروق وعمر بن عبد العزيز بل عليهم أن يتشبهوا بهما ما داموا يدّعون السير على ذات الطريق والمنهج : فالأول رضي الله عنه آل على نفسه ألا يأكل المطائب عندما كان أهل المدينة يتضورون جوعاً والثاني ملأ الدنيا عدلاً خلال سنتين ونيف فقط حتى لم يجد من يعطيه الصدقة، وليس عقدين من الزمن ومات وليس لديه إلا قميص واحد كما حكا وزيره الصالح رجاء بن حيوه. وأختم بهذه الطرفة «جماعة مسافرين بى لوري... قام اللوري اتعطل في الخلاء ... وما في أكل والناس جيعانة.. أدروب بالليل فتح جرابو طلع منو رغيفة قرضها وأدا واحد كان جنبو وقفل جرابو وإتوسدو جارو قال ليهو يا أدروب ما تتوسد الجراب ده تقوم بالليل تهضرب.... أدروب رد بتهكم «يهدرب الما إندو رغيف».