أكتب هذه الزاوية اليوم بأحاسيس متطرِّفة حول مناسبة اجتماعية قد تبدو في نظر البعض عادية بيد أنها مثلت تظاهرة سياسية وشعبية مهمة.. أستجمع عبر هذه السطور سيرتها لأنها أدب يستحق القراءة والتوقف عنده، وأبدأ وأقول: لا أدري كيف تولّدت كل تلك المحبة بين الدكتور فيصل حسن إبراهيم وأولئك الجموع الذين ملأوا مسجد السيدة سنهوري بالمنشية لتشاركه عقد قران كريمته الدكتورة إيناس، فقد أرسلتُ بصري وأعملت فكري وأنا أتابع زحف الجموع من المنشية في ضاحية الخرطومالشرقية إلى شارع إفريقيا بضاحية الخرطوم الجنوبية حيث صالة «ليلة العمر» لتكتمل الصورة والمشهد في حفل الزفاف، فبحق كانت مناسبة تتحدث بنفسها لكن الذي أضاف إليها ألقاً وبهاءً هو حضور المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية، وهو الزعيم الإسلامي والعربي الوحيد الذي ظل يتواصل مع شعبه ينثر همومه في بيوت الأفراح ويكتم أحزانه الخاصة في بيوت الأتراح وما بين الأفراح والأتراح يستمد طاقته ويجدِّد عزائمه.. الرئيس «البشير» ظل يشرفنا نحن أهل كردفان في كل مناسباتنا الاجتماعية لم يتخلف عن تلبية دعوة وُجِّهت له إلا التي تعارضت مع البروتوكول وبرنامجه الرئاسي، فقد كان سعادة المشير في هذه المناسبة كعادته بشوشاً يوزع الابتسامات والكلمات ويحكي النكات والقصص ففي تلك «المناسبة» كان الحديث في كل شيء لا سيما قضايا البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقطاع الثروة الحيوانية.. في تلك الأمسية عذرت الشعوب المقهورة التي لم تشاهد رؤساءها إلا من خلال شاشات التلفاز.. عذرتها وبعضها يشنُّ علينا حرباً وتآمراً لأنهم يجهلون طبائعنا وأخلاقنا، ففي خضم المشاعر وتواتر الخواطر تذكرت أننا بلد يقوده «البشير» الرجل الذي تربطه مع البؤساء وعامة الشعب علاقات إنسانية، عدتُ وتذكرتُ تلك العواصم المنكوبة والموت فيها يسيطر على كل الأمكنة، الطرقات، الملاعب الرياضية التي يفترض أنها مظهر اجتماعي يلتقي عنده الجميع ويستريحون فيه من رهق السياسة وتجاذباتها لكنها أصبحت مكاناً للرعب والتشفي، سبحان الله!!، العالم يغرق في جدل وضجة وشعوبه عاجزة عن الجلوس خلف رؤسائها بل محرومة منهم، ونحن في السودان نفكر مع رئيسنا في كل شيء لأنه يعيش بيننا ويأكل الطعام كما نأكل نحن كفرد من العائلة السودانية وبقدر من الوفاء والطيبة، نعم هو الذي كان يوماً قد حمل سلاحه وروحه بين كفيه وقاد التغيير والربيع السوداني، فقد احترمه الشعب لوطنيته والتف حوله، احترمه لموقفه وهو بشجاعة يتقدم لإنقاذ جنازة البحر وقتها «السودان».. في المناسبة كل الجميع ينظر «للرئيس» بإعجاب وفخر وهو يروي القصص ويحكي الحكايات ويضحك مع الناس ملء فمه، هو مجرد سوداني لا أكثر ولا أقل، الرئيس البشير وبمواقف كثيرة فضح نظراءه الرؤساء والملوك ممَّن يمجدون ذواتهم إلى الحد الذي يجعل شعوبهم تغدر بالبعض منهم قتلاً ببشاعة وبعضها الآخر يخلع رئيسه بثورة عارمة وتكتب له نهاية مفزعة ومثيرة. رئيس الجمهورية بحساب البروتوكول والتقديرات الأمنية قرب المسافة بينه وبين الشعب بتواضع ابن البلد وببساطته، فهو رجل حوبات في زمن الغفلات.. ففي تلك الليلة جلس الرئيس وعلى يمينه الدكتور محمد محيي الدين الجميعابي ووالي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر وعلى يمين الرئيس جلس رجل الأعمال السعودي محمد يماني وهو صديق شخصي للدكتور فيصل حسن، حضر من السعودية خصيصاً للمناسبة، وقد جلس مندهشاً لرئيس يجلس هكذا مع الشعب ويتحدث إليهم وهو القادم من بلد الملوك والأمراء، فقد قالها «يماني» صراحة إنه يحب الرئيس البشير بذات حب الشعب السوداني وأكثر، كما أن الشخصية الهامة التي كانت تجلس مقابلة للرئيس البشير وبجوار د. فيصل كان هو الرجل الورع الشيخ عبد الرحمن الشيخ الطيب رجل أم مرح خليفة الطريقة السمانية في السودان والذي هو أيضاً صديق شخصي للدكتور فيصل، «المشير البشير» علا صوته وهو يتداول مع الجميعابي هموم العمل الطوعي والإنساني وكذلك النشاط الطبي بالبلاد.. كل أعضاء مجلس الوزراء تقريباً كانوا حضوراً في المناسبة د. عوض الجاز، د. أحمد بابكر نهار، مولانا دوسة، أسامة عبد الله، إبراهيم آدم إبراهيم، الصادق محمد علي، وزير الدفاع الفريق عبد الرحيم محمد حسين كما حضر كبير العائلة الكردفانية مولانا أحمد إبراهيم الطاهر وكان وكيلاً للزوجة، ومن كردفان الغرة قاد وفد الرهد العم محمد عبد الله حمودة ومن النهود قاد الوفد شيخ الإسلاميين الناير الحبيب ووفد شيكان برئاسة شيخ الاتحاديين العم يوسف بشير ومعه ابن ناظر الكبابيش العميد شرطة حقوقي إبراهيم حمد علي اللتوم وكذلك الدكتور عبد النبي إسماعيل. كما أن رموز كردفان بالخرطوم قد شكلت حضوراً لافتاً.. الفريق آدم حمد السفراء محيي الدين سالم/ محمود فضل وحسن جاد كريم.. وجاء من البرلمانيين المهندس محمد الحاج، علي الشرتاية بجانب العم المحامي الضليع مولانا جبر الله خمسبين فضيلي. بقى أن نقول عن أهل السياسة شخصية جماهيرية مثل الدكتور فيصل حسن إبراهيم وبقدرات علمية ومهنية مثل التي يتمتع بها شخص بهذه المميزات يصبح لاعبًا مرعبًا في ميدان العمل السياسي، وهو ما أشرنا إليه مرات عديدة وقد سبقْنا الآخرين في تقييم مسيرة هذا الرجل وعلاقاته المتميِّزة وذلك منذ مدة، وكان سبباً لمناصرتنا له والقائمة على احترام قدراته وقوة شخصيته وقيادته، فالأمانة كانت تقتضي ذلك والحقيقة كذلك فقد قلناها وحرسناها.. د. فيصل ليس من النوع الذي يحتفي بالرؤوس المقطوعة فهو قيادي بميزات وسلوكيات خاصة تدعمها عبقريته القوية.. الغريب واللافت في الأمر أن مناسبة العرس تلك قد حضرها أولئك الذين سبق أن شرعوا وحولوا الذريعة الافتراضية إلى ذريعة فعلية أجازت وبررت الفتك بما جاءت به الكليات الشورية للمؤتمر الوطني بشمال كردفان إبان انتخابات الولاة الأخيرة.. إنها كانت كذبة جميلة طُبعت على غلاف أخلاقي يليق بصانعيها، وبذلك قد أصبح اختراع سُجِّل بأسمائهم مدى التاريخ، فمن دون مزايدة البشير ود. فيصل نموذج نفتخر بهما نحن أهل السودان عموماً وكردفان خصوصاً وندفع بهما في كل المنابر سهاماً نافذة وسيوفاً قاطعة وفكراً بيناً.. في هذا ليس من حقي أن أصادر آراء الآخرين بحق الرجلين وليس مهمتي أن أدحض حججهم بشأنهما ولكن هذا رأيي وشهادتي فيهما والتي ربما تكون مجروحة!!