منة الله العظيمة للخلق أجمعين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». ودعوة إبراهيم المستجابة «ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم». وبشارة عيسى المتحققة «ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد». وهادي المستضعفين «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم». والممدوح من رب العالمين مدحاً غير مسبوق ولا ملحوق «وإنك لعلى خلق عظيم». رحيم في الدنيا.. ورحمة في الآخرة.. حين تزلزل الأرض زلزالها وتخرج أثقالها.. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.. يوم يقول كل الأنبياء والمرسلين نفسي.. نفسي ...إلا أنت يا صاحب الشفاعة حين تتصدى وحدك قائلاًَ: «أنا لها ... أنا لها». فالصلاة والسلام عليك في الأولين، والصلاة والسلام عليك في الآخرين، والصلاة والسلام عليك في الأنبياء والمرسلين، والصلاة والسلام عليك في الملأ الأعلى إلى يوم الدين عدد ما وسع علم ربي وخطه قلمه وأحصاه كتابه يا سيدي يا رسول الله يا حبيب الله وخير الخلق أجمعين. في ذكرى مولدك ال «1486» تحل علينا لياليها الطيبة وأنسامها الشجية وأنغامها الزاهية الباهية بالصغار والكبار.. كل يعبر عن فرحته بك بأفضل ما لديه.. لأنك قد أبحت ذاك بتخصيصك الإثنين بالصيام من كل أسبوع «ذاك يوم ولدت فيه». لكن تبقى النوايا التي في الصدور لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب.. وعليها الحساب.. وأهل السودان والباكستان أكثر أهل الأرض حباً وولهاً وهياماً برسول الله صلى الله عليه وسلم.. ألسنا وإياهم من نسل الصحابة الذين خرجوا غزاة في سبيل الله ثم لم يرجعوا لديارهم أبداً .. ولو أنه ولد عندنا أو عندهم لما وجد فيه الآخرون «فرقة أبداً» ألسنا من قال عنهم «ص» «إنما ينصر هذا الدين أهل العمائم السود» فإن كان السواد راجعا للبشرة فيا بشرانا... وإن كان راجعاً للعمائم فيا بشراهم.. والآخرون لنا تبع. لبيك رسول الله يا ذا الخلق العظيم وأنت تقارع الكفرة الفجرة «قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» والله وبالله وتالله لا يستوى الهدى والضلال أبداً.. لكنه أدب المرحمة.. وفى الآية التى تليها مباشرة «قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون» فوالله وبالله وتالله ما كان فاحشاً ولا بذيئاً، وما كانوا إلا قتلة ومجرمين، لكنه أدب الحوار وخفض الجناح والحرص على كسب الأنفس لا المواقف. ويوم يشترط عليه رؤوس الكفر والشرك لإسلامهم «أن يشق لهم القمر نصفين» وحين يجيبه الله لذلك فيجعل نصفه بالمشرق ونصفه الآخر بالمغرب، يقول قائلهم لقد سحرنا محمد.. لكن العقلاء منهم يقولون إنما يسحر الساحر من في حضرته ولا سلطان له على الغائبين الذين حين يستجلونهم الخبر يقولون إنهم قد رأوا القمر نصفين ليلة كذا من يوم كذا.. ومع الآية التى طلبوها أكثرهم لا يؤمنون.. ثم لا يثور ولا يجور بل يقول اللهم اهد قومي فإنهم يجهلون. بل حتى حين يضيقون عليه الخناق بمكة ويرسلون خلفه الغلمان والسفهاء في الطائف يدمون وجهه وقدميه، ليعود لمكة وينزل في جوار وذمة وحماية المشرك «....» فيستأذنه جبريل كي يطبق عليهم الأخشبين، يقول لا لعل الله يخرج من أصلابهم من ينصر هذا الدين. أهل التصوف.. الخشنة ملابسهم الرقيقة كلماتهم اللطيفة عباراتهم العميقة تأويلاتهم البائتون لربهم سجداً وقياماً، والذين كلما خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.. ماذا دهاهم في ليالي الوجد والحضرة النبوية يسفكون دماً مسلماً، ويزهقون روحاً توحد الواحد وهم يحفظون قول الله «ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» إن كان هذا في حق اليهود قتلة الانبياء وأكلة السحت والمتطاولين على الله في الأرض والسماء، فكيف يكون حال المسلم حين يقتل مسلماً... «ما بتنبلع والله» أن تسيل دموع العاشقين ودماء المسلمين جنباً إلى جنب بسوح المولد النبوي الشريف.. هل قبرتم العفو والتسامح والتسامي.. أم فيكم مندسون؟ أهل السنة.. أهل الله أهل الواحد والتوحيد.. لا يشككن أحد في صدق دعوتهم ونقاء عقيدتهم، وإن عاب عليهم البعض ضيق الصدر وقلة الصبر أحياناً، وهو مما يباعد بينهم وبين كثيرين ممن يحبونهم «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم»، وكمان يشاورهم في الأمر... ورسول الله ما شتم كافراً ولا سبَّ مشركاً قط.. بل عاب على أبى بكر يوم أحد قوله لأبي سفيان «مص بظر اللات والعزى» لأنه تطاول على رسول الله وساوى بين الشهداء والقتلى وبين بدر وأحد... فوالله ما كان أبو بكر فاحشاً ولا بذيئاً لكن الموقف كان يتطلب ذلك ... ويوم فتح مكة ينادي رسول الله «من دخل البيت الحرام فهو آمن ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن».. فلا والله لا يستوى عبد برب ولا بيت ببيت، لكنه علاج «العنتظة» والكبرياء الارعن والأنفس الشح... ماذا لو أن كل داعية عرض بضاعته دون التعرض لبضائع الآخرين ناهيك عن التعريض بها. ما راعنى شىء مثلما راعنى حوار بين اثنين ممن يزعمون أنهم من أهل السنة «أحدهما» و«الآخر» من أهل التصوف، حين أنكر الأول على الثاني كرامات الأولياء واعتقاده فيهم... ورمى بعصاة كان يحملها متحدياً له أن يدعوهم ليرفعوها عن الأرض ... فما كان من الآخر إلا أن رد عليه متحدياً له أن يدعو الله ليرفعها له. قيادات السنة والتصوف وقد اجتمعتم وتواثقتم في هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الاسلامي وهيئة نصرة رسول الله وهيئة الدفاع عن العقيدة والوطن وهيئة توحيد أهل القبلة ولجنة وضع الدستور الإسلامي.. وقبل هذا وذاك كلمة التوحيد ومخافة الله وحب رسوله.. لا تدعوا الجهلة وأنصاف المتفيقهين والمتشنجين والمتنطعين والمندسين يفسدون آخرتهم بدنياكم. شيخنا الصافي جعفر يا صاحب الرقائق والدرر.. المتخير لمطايب الكلام كتخير البعض لمطايب الطعام... أين أنت؟ أشغلتك سندس الخرطوم عن سندس الحرير يا ساكن الفردوس الأدنى...أين أنت من الفراديس العلا... دع الدنيا لهم وارجع وإخونك لمحراب العاشقين.. لعل الغلظة والمزايدة تغادر أهلنا وديارنا.. فلن نقبل بغير الإسلام السمح والمتسامح ديناً ومنهاجاً.