قصص الحب في الروايات وعلى شاشات التلفزة تشهد عودة قوية هذه الآونة، بعد أن اكتشف صناع الإبداع أن البشر يعيشون أقسى سنواتهم وأكثرها جفافاً وقحطاً من الناحية الوجدانية والعاطفية . الآن اللغة السائدة هي لغة المادة والأرقام.. لا وقت للعواطف والرومانسية.. تراجع القلب لصالح العقل.. وسادت نظرية (1+1=2).. أما الذين يريدونها ثلاثة أو أربعة فلن يقنعوا حتى أنفسهم!! عشرات المسلسلات والأفلام على شاشات التلفزة تتحدث عن الحب.. موجة تطوي صفحة أشكال أخرى من الدراما ظلت سائدة حتى وقت قريب إلى أن اكتشف صناع الفن أن الأكثر رواجاً على الشاشة هو الذي يفتقده الواقع.. وليس الذي يحتشد في واقعيته، حيث يمكن المراهنة بامتياز على قصة حب عادية جداً ذات نهاية سعيدة أو محزنة.. فذلك يغري كثيراً من المشاهدين بالتواصل والتفاعل لأنهم يبحثون عن قصص مشابهة أصبحت نادرة الحدوث في الواقع..! العالم– فيما يبدو– (فاقد حنان).. ويبحث عن رئة لقلبه يتنفس من خلالها في ظل حياة مادية ضاغطة وظروف معيشية قاسية لم تعد تمنح البشر فرصة للرومانسية التي أضحت ممنوعة بحكم الواقع، وربما بحكم الخيال أيضاً الذي لم يعد يحتمل الترف العاطفي في زمن اللهاث المحموم وراء مستلزمات البقاء..! وهذه الحاجة إلى الرومانسية استثمرها بذكاء كتاب الحكايات والمسلسلات والأفلام، فتركوا إلى حد كبير (الأكشن) و(التراجيديات) الضخمة.. وتوجهوا إلى إحياء طقوس (قيس وليلي) و(جميل وبثينة) ولكن برؤية عصرية جديدة لا تتقاطع بشكل كلي مع الواقع واشتراطاته الصعبة. هي فضاءات صغيرة تتنفس من خلالها قلوب المشاهدين المنقبضة وتسعد للحظات أعينهم بمشاهد وردية غير تلك التي تتراءى لهم في الواقع اليومي المليء بالأشواك..! غير أن السرد العاطفي على شاشات التلفزة لم يخل كعادته.. من بهارات الدراما الزائدة والكثير من المبالغات والافتعالات، ومن يراقب بعين ذكية معظم المسلسلات والأفلام المعروضة على الشاشات حالياً سيكتشف أن هذه الفرجة المجانية للرومانسية لن تروي عطش الروح، ولن تطفئ ظمأ القلب بشكل مفرط، بحيث تبدو سطوة (الواقع) المعتم أكثر استحكاماً في مصائر الأبطال وأكثر عصفاً بهم، لذلك فهي رومانسية حزينة ومشروطة وذات أبعاد تراجيدية تؤكد أن أحلام الدراما ما زالت قريبة جداً من أحلام البشر.. وأن ثمة مصادرة خفية وعقبات كؤود تقتل هذه الأحلام أو تزعج على الأقل مناماتها..! العودة إلى الرومانسية شعار رفعته جهات الإنتاج الدرامي وتحديداً (التركي والمكسيكي)، ونجحت من خلاله في تسويق أشكال جديدة من الدراما لا تحتاج إلى تكلفة إنتاجية عالية، وإنما فقط تقوم على فكرة إيهام الآخرين بأن الحب ما زال ممكناً وأن زمن الرومانسية يمكن أن يعود..!