لم أحزن كثيرا لخروج أبو بكر كاكي خالي الوفاض، فالرجل فعل ما يستطيع، ولم يكن ليبخل بشيء على وطنه، وأدى بإمكاناته الشخصية ما لم تؤده منتخباتنا الكروية .. التي ندللها ونغدق عليها.. دون أن تشرفنا ولو لمرة واحدة في محفل دولي ! كاكي فعل ما استطاعه، رغم الضغط النفسي الكبير الذي تحمله، والإشاعات التي لاحقته، وتذمره السابق من عدم توفير الدعم المناسب له، ف (كاكي) إنسان قبل كل شيء، وإنسان سوداني بالدرجة الأولى، وهذا يضيف جرعة أخرى من حساسية نفسه تجاه المنغصات، فكان أن أخفق حتى في الفوز بالمركز السادس، وهو الذي كنا نرشحه، ومعنا أرقامه الباهرة، كي يخطف لنا الميدالية الذهبية في أولمبياد لندن . ليتنا أدركنا أن الرياضة كلها أصبحت عملا كبيرا .. ترتفع له أعلام، وتنجذب نحوه الاستثمارات، ويقف له رؤساء الدول إجلالا وتقديرا .. وتذرف فيه الدمعات الحرى حين الخسارة الثقيلة على النفس . والرياضة بهذا الفهم .. عمل لا يتم الإعداد له في فترات متأخرة .. بل هي (عمارة) لا بد من تدعيم أساساتها بالخرصانة المسلحة، بدءا من سن الطفولة المبكرة .. بالمدارس المتخصصة التي يجب أن تنتشر على مستوى الأحياء، والمناهج الرياضية المدروسة، والكوادر المؤهلة للعمل في ذلك المجال، وبذلك نتيح الفرصة أمام شبابنا .. كي يتطوروا ويتقدموا، وتبرز فيهم المواهب التي يتم صقلها وإعدادها على نار هادئة، ولو كانت الموهبة وحدها تكفي .. لحصلنا على بطولة العالم أيام منزول ودريسة، أو أيام ماجد وجكسا، أو حتى أيام كمال عبد الوهاب والدحيش ! مشكلتنا أننا ندلل كرة القدم ونحن نسجل بالكاد حضورا إقليميا بحكم الانتماء الجغرافي، ولا نصيب فيه إلا الفتات .. رغم كل ما نسعى لتوفيره لمنتخباتنا، ولو أردنا أن نكون رقما كرويا على مستوى العالم .. لاحتجنا عقدين من العمل المضني التحتي بدءا من البراعم .. حتى تتفتق الأزاهر ونجني الورد . لكن ألعاب القوى .. التي نتجاهلها، رغم أنها ترفع أعلام الوطن في المحافل إذا أفلحت، بمثل ما تفعله كرة القدم السودانية التعيسة التي لا تفلح .. هذه الألعاب لا تجد اهتماما لائقا .. رغم أن جوارنا الإفريقي الذي نشبهه .. ذاع صيته عالميا .. كينيين، واثيوبيين، وجزائريين، ومغاربة، ونحن هاهنا قاعدون !! رهاننا الكسيح على كرة القدم .. أضاع علينا وقتا ثمينا، وفرصا عديدة لكي يكون لنا مكان رياضي وسط العالم، ولو أولينا ألعاب القوى ربع ما أوليناه لكرة القدم، لكان لنا الآن مئات من أمثال كاكي، ولأصبحنا منبعا للاعبين الموهوبين، والمدربين المحنكين، والمختصين الرياضيين في مجال الطب المتعلق بألعاب القوى، ولكنا قادرين على المنافسة في تصدير ما يفيض من كوادرنا، فنفتح لها أبواب الاحتراف الخارجي الذي يضيف لنا أيضا، بل ونفتح حدودنا لمن يريدون الاستزادة من خبراتنا وإمكاناتنا من العالم أجمع . رهاننا الخاسر اتجه صوب كرة القدم .. فخاب فألنا، لنأتي أخيرا كي نذرف الدمع على كاكي .. الذي يستحق تصفيقنا .. بعد أن جعلناه يدا واحدة .. لا تصفق ! عذرا : لقاؤنا غدا مع تعقيبات الخميس الماضي .