عجيبة هي الأولويات، لأنها لا تقر على قرار، فالناس في كل يوم لهم أولويات، وهذه الأولويات كالرمال المتحركة .. تتبدل وتتزحزح، وقد يعرف أصحابها التعامل الحاذق معها .. أو قد يغرقون فيها .. دون منقذ أو مجير ! في الكرة .. يحب المشجعون في المعسكرين : الهلال والمريخ .. أن يهزم فريقهم الطرف الآخر . فلا يهمهم كثيرا أن يطير الكأس، أو يتعرض فريقهم لهزيمة من فريق مغمور، لكن المهم فقط أن يجرعوا الطرف الآخر كأس الهزيمة .. وكل شيء بعد ذلك يهون ! وفي السياسة .. تظهر الأولويات المميتة، مثل الخيار الأمني المتشدد، والذي اختاره حسني مبارك، ومعمر القذافي، وبن علي، ودفعوا أثمانا فادحة له .. رغم ما حققوه من تكريس للهدوء عن طريق التكميم ردحا من الزمن . في الإطار الاجتماعي، تظهر الأولويات في الحفاظ على صورة مغشوشة .. لا تعبر عن الواقع، مثل الأثاث الفاخر، أو الإنفاق في غير محله .. أو أي مظهر آخر، قد يعطي صورة زاهية مبدئيا .. لكنه ينكشف في النهاية، ويكون لذلك ما بعده ! والأولويات تنتقل بإشراقاتها أو آفاتها إلى الأفراد . وبالأمس قرأت (أولوية) عجيبة اختارها أحد الباكستانيين، وهي العناية المكثفة بشاربه .. ليكون صاحب أعظم شنب بين أقرانه من الرجال ! الباكستاني المهووس، قام بتربية شاربه حتى بلغ طوله ثلاثين بوصة، وكان يقضي ليله ونهاره في تدليل الشارب، وتهذيبه، ولا يجعل أولوية في حياته تفوق أولوية الشنب .. فتحقق له طموحه، وصار صاحب شنب معتبر، لا يشق له غبار في المحافل الرجالية، أو في أوساط الحسان المفتونات بهذا السبع الكاسر ! لكن آخرين كانت لهم أولوية مضادة، فقد ذكرت صحيفة (أكسبرس تريبيون) الباكستانية الأربعاء الماضي، أن صاحب الشنب، واسمه مالك أنير محمد أفريدي، تعرض للاصطياد من جماعة مسلحة متشددة اقتادوه إلى شيخ محلي قال إن شاربه لا يتلاءم مع الشرع، ليقوم أولئك المسلحون بحلق شارب صاحبنا على الفور .. ويفقد أولويته التي بذل لها الغالي والنفيس من أجل التمتع بها بقية حياته ! حلق الشارب تم قبل أربع سنوات، ومن يومها، قرر الباكستاني مغادرة محل إقامته في بيشاور، وارتحل إلى روالبيندي، ليس خجلا مما حدث، بل ليتمكن من ترك شاربه ينمو مجدداً دون ملاحقة من أولئك المتشددين المسلحين، حيث جعلوا أولويتهم جز شنب الرجل، وعدم تمكينه من تحقيق أحلامه الرجولية في هذا الجانب. الباكستاني لم يكتم أحاسيسه ومشاعره، فقد قال للصحيفة التي نشرت الخبر : "تركت دياري الحبيبة وأقاربي، أنا مستعد للتضحية بكل ذلك.. ولكنني لن أساوم على شاربي". وبمناسبة الأشناب، فإن الشنب الكبير كان (حلية) يتزين بها الكثيرون في السودان، فيتركون العنان لشواربهم كي تنمو وتزاحم كل ملامح الوجه، وكان الكثيرون، وما زالوا، يطربون إذا قيل لهم (أب شنب)، دلالة على الرجولة وشدة البأس ! الناس أولويات، وصويحبكم تتغير أولوياته كل يوم، لكن أكبر أولوية لي في هذه الأيام، أن أغط في نوم عميق دون لسعات بعوض، وأن أحظى بوجبة مع أسرتي دون أن أهش الذباب، وأن ينتهي يومي دون أن تترنح ميزانيتي المادية .. في زمن القحط واليباس !