لا أريد هذه الكاميرا، حتى لو أعطوني إياها بالمجان، فمن ذلك المجنون الذي يقبل بكاميرا تراقبه في حركاته وسكناته ليل نهار ؟! الخبر يقول إن شركة سويدية قامت بتطوير تقنية تتمثل في كاميرا صغيرة، لا يتجاوز حجمها طابع البريد، يمكن شبكها على الملابس بسهولة، وتعمل تلقائياً كل 30 ثانية لتقوم بالتصوير وإرسال الصور آلياً إلى الإنترنت لحفظها إلى الأبد، دون تدخل من حاملها. الكاميرا، باختصار، مصيبة جديدة للمصائب التي باتت تحصي أنفاس البشر، وتدخل بيوتهم وحيشانهم، وتتجسس حتى على أدق أسرارهم وخصوصياتهم، بعد أن أمسوا نهبا لفضول كاميرات الاقمار الاصطناعية، والتي تمسح الأرض آناء الليل وأثناء النهار . حتى الشوارع، والأسواق، وأماكن التجمعات، والبيوت، والمطاعم، والمكاتب، باتت هي الاخرى أمكنة تنصيب للكاميرات التي ترصد دبيب النمل، والكثيرون يذكرون أن بدالة البحث الالكتروني المعروفة (جوجل) قد دخلت ذات يوم في مجال بث الصور المباشرة للكثير من الشوارع العالمية المشهورة، وهو ما أدخلها في مساءلات قانونية ودعاوى مدنية .. كادت أن تهدم كيانها على رؤوس مالكيها ! والكاميرا الجديدة مصنوعة ليقتنيها المهووسون بالتوثيق لكل دقائق حياتهم، فهي تحتوي على جهاز لتحديد مواقع الصور، وبطاريتها لا تحتاج لإعادة الشحن إلا بعد يومين كاملين من التصوير المستمر، وبها ذاكرة تخزينية بسعة أربعة غيغابايت . ولحسن الحظ .. أن الحكومات لم تتدخل بعد في فرض هذه الكاميرات على الناس، فالأمر حتى الآن محصور في الراغبين بتوثيق تفاصيل حياتهم، وهؤلاء لا يستطيعون الحصول على الكاميرا إلا بعد دفع ثمنها، وبإمكانهم بعد ذلك ربطها بالموقع الألكتروني للشركة .. التي ادعت انها ستحافظ على سرية ما يتم تصويره، وما أخطر الوثوق بمثل هذه الإدعاءات في زمن الكذب والخضوع لمن يدفع ! شخصيا، تضايقني نظرات الفضوليين، وتقلقني الأعين التي تراقب ما أفعل، وأهرب بجلدي من أي مكان يكون فيه أولئك الذين يسمرون نظراتهم في كل شيء، ولذلك فلن يكون من مباعث سروري أن أشتري من حر مالي .. كاميرا تحصي أنفاسي شهيقا وزفيرا، ولن أستمتع بتلك المراقبة، مهما كان إغراء تسجيل اللحظات السعيدة ! أحد أصدقائي ممن يحبون تربية القطط، قال لي إنه تخلص أخيرا من كل قططه، وعندما سألته عن السبب قال إنه اكتشف شيئا مقلقا بالنسبة له، وهو أن القطط تراقبه أثناء أكله، وتحصي عليه حسب قوله عدد اللقم التي يتناولها، فتشاءم منها، وأحس بأنها ستجلب له النحس والشرور !! صديق آخر حكى لي قصة أخرى، وقال أنه يقرأ الإخلاص والمعوذتين قبل خروجه كل صباح لعمله، وعندما سألته عن السبب قال إن رجلا متقاعدا اعتاد يوميا الجلوس صباحا أمام الدكان المواجه لمنزلهم، وأنه يحس عند خروجه أن الرجل يبحلق فيه بشكل يضايقه، ولأنه لا يستطيع منع الناس من النظر والبحلقة، فإنه يكتفي بقراءة الآيات درءا لشره ! الكاميرا اللئيمة لم تنزل الاسواق بعد، وتتوقع الشركة بدء تسويقها في العام القادم 2013، ومن يحب التوثيق لكل تفاصيل حياته يمكنه الانتظار لشرائها. انتظروها، ولكنني من حزب الممتنعين عنها مهما كان إغراؤها، فمن منكم سيسارع لشرائها ؟!