“إسراء” 13 عاماً، تدرس بالصف الثامن بضواحي مدينة كسلا ، دهمها ألم حاد في المفاصل ورعشة وارتفاع في درجة الحرارة ، إثر ذلك أسعفت ، ونقلت إلى المستشفى ، وأظهرت نتيجة الفحص إصابتها بالحمى الركابية، والاسم العلمي لها (الشيكونغانيا) . ووجهت بأخذ قسط من الراحة و تناول السوائل ودربات (البندول)، وغادرت المستشفى وفق تقرير الطبيب، بأن حالتها طبيعية جداً، لم تمض 24 ساعة من مغادرتها المستشفى، حتى علا صوت البكاء من منزل أسرة إسراء، التي فارقت الحياة. كثر الحديث عن انتشار الحمى في ولاية كسلا ،في أعقاب الأمطار والسيول التي ضربت الولاية الشهر الماضي، ولم يخل منزل من مصاب وما زاد قلق أهالي كسلا نقص العلاج من الحمى التي أخذت شكل الوباء. أصل التسمية: مرض “الشيكونغونيا” مشتق من كلمة في لغة كيماكوندي تعني “الإصابة بالانحناء”، وهو يصف حالة انحناء المصابين بالآلام في المفاصل (الألم المفصلي)،مرض فيروسي ينتقل إلى البشر عن طريق حشرات البعوض الحاملة لعدوى المرض ويسبّب حمى وآلاماً مبرّحة في المفاصل.وأطلق عليه مواطنو كسلا مسميات عديدة منها (الركابية_كنكشت_ حمى المفاصل). العلاج (مرض ليس لديه علاج سوى درب البندول) بهذه الجملة تستقبل المستشفىات الحالات المستعصية للعلاج بالمحاليل الوريدية (الدرب)، لا غير واكتظت مستشفى كسلا التعليمي بالمرضى وامتلأت العنابر وتحولت كراسي استقبال المرضى إلى عنابر متحركة علاوة على ذلك تفتقر المستشفى إلى كوادر طبية. اشتكى عدد من المواطنين بأن أعراض الحمى ، ألم في المفاصل وقد تؤدي إلى شلل في الأيادي والركب وتعيق الحركة وتزيد نبضات القلب، ولا يوجد لها علاج سوى درب البندول ب(15)جنيهاً ، ويغادر المريض المستشفى بنصيحة الطبيب(عليك بأن تشرب العصائر). الإسعاف بالدرداقة: وحكى أهالي المرضى ، بأن عدداً مقدراً من المرضى يتم إسعافهم بالدرداقات ،في ظل صمت غير بليغ من وزارة الصحة الولائية وهي تشاهد المرضى منومين على حديد الدرداقات . وتحولت أشجار النيم داخل المستشفيات إلى عنابر للحالات المتأخرة حيث يستلقي المريض في سرير من الحبال ويعلوه الدرب معلقاً على جذع الشجرة. المراكز العلاجية في الأحياء السكنية اكتظت بالعديد من المرضى ، “ندى عيسى” مريضة بالحمى، قالت في حديثها ل(المجهر): (المركز مليان شديد طريقة تسجل بيها اسمك مافي) وأوضحت بأن أسعار درب البندول في زيادة. بينما أكدت مصادر ل(المجهر) بأن سعر درب البندول ارتفع إلى (100)جنيه في صيدليات المستشفيات أما خارجها (220). الزحف للعلاج: مواطن فضل عدم ذكر اسمه قال في حديثه ل(المجهر): عدم رش ومكافحة أماكن توالد البعوض، ساهم في انتشار المرض إلى الضعف، مبيناً الشح في دربات البندول والمسكنات. وروت المواطنة “ز” بأن المرض أصاب البعض بالشلل فيزحفون للمراكز لتلقي العلاج ولاحظت تطور المرض حيث تحدث تشنجات في الأيادي ما أسموه ب(الكنكشة). في ذات السياق كشفت مواطنة من كسلا بأن موظفات بوزارة الصحة الاتحادية دخلن المنازل وفحصن المياه من كل الجوانب ثم خرجن دون جدوى. الفرق بينه وبين الملاريا: وضح نائب والي كسلا والمتحدث الرسمي باسم حكومة كسلا “مجذوب أبو موسى” الفرق قائلاً: الحمى الركابية أشد خطراً من الملاريا ولا يوجد لها علاج سوى البندول وشرب السوائل. تاريخ المرض في كسلا: وواصل حديثه ل(المجهر): بأن السيول والفيضانات تسببت في هذا الوباء للمرة الأولى في كسلا ، قائلا:( ماحيستمر كتير بس أدعو ربنا يرفع عننا المصائب)، مؤكدا بأنهم يقومون برش المنازل يومياً بالمبيدات ولديهم (1000)عامل صحة بالولاية. استمرار الدراسة: رغم أن غالبية مواطني الولاية مصابون بالحمى إلا أن وزارة التربية والتعليم لم تصدر قراراً بإيقاف الدراسة لحين انتهاء الوباء، فأكدت الطالبة “أسماء ” أن المدارس مستمرة في عملية التدريس قائلةً: (كل الأساتذة مكنكشين) مما يسهل انتقال العدوى بين الطلاب في المدارس ، أما أطفال الرياض أشد ألماً من الكبار بسبب المرض، المواطن ” نوراي” قال: (نحن خايفين على الأطفال أكتر من الكبار). صراع خفي: تمسك وزير الصحة “عبد الله آدم” بموقفة بعدم التصريح للصحافة، فيما نفي “مجذوب” وفاة مواطنين بالمرض، في مؤتمر صحفي قبل أيام ، ووفق ما أوردته (المجهر) بداية الأسبوع عن (5)حالات وفاة، أكد والي الولاية “آدم جماع” أمس ، وفاة (7) كانوا يعانون من الحمى ، فرد “أبو موسى” ل(المجهر): لم تصلني بلاغات وفاة ، ولعل الوالي أجرى جولة ميدانية ولا يحق لي أن أنفي ما قاله). واشتكى “مجذوب” من شح في الأدوية وجشع من قبل الصيادلة، مؤكدا بأنهم أرشدوا مجلس الأدوية والسموم لمراقبة الصيدليات. في مؤتمر سابق : أكدت رئيس إدارة الطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية د. “ليلى حمد النيل” في اجتماع تنويري عقدته الوزارة يوم (الإثنين) الماضي حول الحمى المنتشرة بولاية كسلا ، أن “نتائج الفحص المعملي أوضحت أن الحمى المنتشرة بالولاية هي حمى الشيكونغونيالا وتؤدي إلى الوفاة”. وأشارت إلى أن المصاب بها يعاني من الوهن الشديد فترة حضانة المرض وتستمر الحالة مدة أسبوع بعدها يعود المريض لحالته الطبيعية بدون أي مضاعفات. وأفادت رئيسة إدارة الطوارئ بالوزارة بعدم تسجيل أي وفيات ناجمة عن الإصابة عن تلك الحمى، وأشارت إلى أن معظم حالات الحمى سجلت داخل مدينة كسلا ، وكانت أغلبها متمركزة بغرب القاش وبعض الأحياء من شرق القاش. وزادت “عدد الحالات بلغ 6 آلاف و250 حالة”. وأوضحت أن تفشي المرض يحدث بسبب الأمطار ، الأمر الذي يؤدي إلى توالد البعوض بكثافة خاصة داخل المنازل وأماكن تخزين المياه. ونوهت إلى أن وزارة الصحة تدخلت للقضاء على المرض بزيادة عدد الأطباء بالولاية وتوفير الأدوية المجانية ومكافحة الناقل للمرض بكل الطرق المتاحة. وشددت على أهمية التوعية ونشر طرق مكافحة البعوض وتضافر جهود التخلص من البعوض ورفع وعي الأهالي وتدريب المتطوعين لمكافحة الناقل في الولاية. وأضافت المسؤولة أن الوزارة تحتاج إلى توفير(958) عاملاً لتغطية محلية كسلا وحوالي(250) عاملاً للعمل الخارجي من أجل مكافحة البعوض. منظمة الصحة العالمية: حددت منظمة الصحة العالمية حسب ما جاء في تقريرها بأن مرض الشيكونغونيا في(60) بلداً تقريباً في آسيا وأفريقيا وأوروبا وفي الأمريكتين. بينما ينتقل فيروس الشيكونغونيا بين البشر عن طريق لدغات أنثى البعوض المعدية، والبعوضة التي تنقل الفيروس هي عادة من جنس الزاعجة المصرية الناقلة أو الزاعجة المرقطة، وهما جنسان يمكنهما أيضاً نقل فيروسات أخرى منقولة بالبعوض، بما فيها فيروس حمى الضنك. ويمكن ملاحظة حشرات البعوض هذه وهي تلسع الأفراد خلال ساعات النهار، مع أنّ نشاطها قد يبلغ ذروته في ساعات الفجر الأولى وقبل غروب الشمس، وكلا الجنسين المذكورين يُلاحظ وهو يلسع في الأماكن الخارجية، بينما يسهل أيضاً على الزاعجة المصرية الناقلة أن تتغذى في الأماكن الداخلية. وبعد أن يتعرّض الشخص للسعات البعوض، تظهر عليه أعراض المرض عادة في غضون فترة تتراوح بين 4 و8 أيام، ولكنّها قد تتراوح بين 2 و12 يوماً. تبيّن أنّ هناك نواقل عديدة أخرى من البعوض تسبّبت في سريان المرض في أفريقيا، بما في ذلك جنس A. furcifer-taylori و A. luteocephalus. وهناك بيّنات تشير إلى احتمال قيام بعض الحيوانات، بما فيها غير المقدمات والقوارض والعصافير والثدييات الصغيرة مقام مستودعات لنواقل المرض.