(1 ( أن تقوم الدولة بتمويل حج الدستوريين فذاك هو الفساد المقنن.. هذا الأمر العجيب، فضلاً عن أنه يخالف حكمة مشروعية شعيرة الحج، فإنه يجافي منطق الأشياء في دولة فقيرة تعيش على أدنى من الكفاف.. حسناً، إن كان الفساد مقنناً فهذا أمر واقع، لكن الدستوريين جعلوا من ذلك الفساد مركباً أي (عايرة وأدوها صوت).. هذا هو المراجع العام يكشف لنا العجب العجاب في هذا المصاب.. يقول المراجع العام لا فضّ فوه، إن دستوريين في حج هذا العام، بينهم وزراء وولاة ومعتمدون وأعضاء برلمان وموظفون، اصطحبوا زوجاتهم واستغلوا امتيازات الحج والسكن والإعاشة، حتى الذين سافروا على نفقتهم الخاصة استفادوا من امتيازات بعثة الحج وتسلموا شيكات المبالغ المخصصة لإعاشة الحجاج!!.. هذا في حج هذا العام الذي جاء عقب إجراءات اقتصادية ودعاوى زائفة للتقشف.. المواطن المسكين وحده يتحمل رفع الدعم عن البنزين والسكر والتعليم والعلاج.. لماذا تضحكون على المساكين والفقراء وتضربونهم بسياط التقشف وسحب كل أشكال الدعم، بينما الدستوري ضخم الجثة عريض المنكبين أبو جلابية (بيضاء ومكوية)، تدفع له مصاريف الحج، بل يذهب بعيداً و(يحجج) معه زوجته المصون على حساب ذلك المسكين؟.. أليست الأموال المستباحة التي (يخمشها) الدستوريين بغير حق سحتاً، والسحت هو المال الحرام، وقد سمي بذلك لأنه يسحت الحسنات، أي يذهبها ويستأصلها، نعم يا ويلهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ).. أهم ما يستعد به الحاج لحجه أن يحرص على أن تكون نفقته في الحج حلالاً خالصة من الشبهة، ففي الحديث (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم.. (برضو) هي لله، هي لله، لا للسلطة، ولا للجاه. (2) لم تكن مصيبة الاقتصاد في يوم من الأيام مثل مصيبة عدم استقرار السياسات الاقتصادية واضطرابها.. الاقتصاد كائن حساس عافيته مرتبطة بالثقة في النظام المصرفي.. الدول من حولنا سياساتها الاقتصادية ثابتة وعملتها لا تتغير لعشرات السنوات وإن تغيرت فهي في هامش ضيق ومحدود لا تتعداه.. مؤخراً أعلن بنك السودان تحرير سعر صرف الجنيه السوداني بغرض محاربة السوق السوداء ليجعل تداول العملة الصعبة داخل النظام المصرفي وليس بين أيدي تجار وسماسرة الدولار.. لكن تلك السياسة المعلنة لم تدعمها صدقية تضمن نجاحها، وضحك أصحاب العملات الحرة كثيراً ولم يصدقوا بنك السودان الذي دعاهم لفتح حسابات بالعملة الحرة، وتساءلوا من يضمن لنا أن نسترد أموالنا متى ما أردنا دون أن ينقلب علينا بنك السودان ويعلن سياسة جديدة (يستولي) بها على أموالنا ويحدّ من حريتنا في سحبها متى ما شئنا؟.. ذكرت هذه المقدمة بعد خبر توقف بنك السودان عن شراء الذهب لأول مرة ليومين متتالين، والدهشة تعقد ألسنة المتعاملين في سوق الذهب.. خسائر فادحة تكبدها أولئك نسبة لاحتكار البنك لعمليات الشراء والتصدير لحوالي عامين متتاليين.. حتى هذه اللحظة لم يفسر بنك السودان خطوته هذه.. أليس هذا هو الاضطراب بعينه، بل التخريب الممنهج للاقتصاد العليل؟! (3) قبل عدة أيام ضبطني رجل المرور وأنا أرتكب خطأً غير مقصود، فأوقفني وطلب رخصتي والمستندات الخاصة بالسيارة، فكانت سليمة.. الرخصة بها خانة توضح مهنة صاحبها، فقال لي رجل المرور: الصحفيون (برضو بيرتكبوا مخالفات)؟.. فاعتذرت له عن الخطأ غير المقصود وأعربت له عن تقديرنا لرجل المرور، وقلت له: أعلم أنك والساعة الآن الثالثة عصراً قد تحملت وصبرت منذ الصباح الباكر عشرات الذين ارتكبوا مثل مخالفتي هذه، وربما أكبر.. قصصت هذه القصة للواء "عبد الرحمن حسن عبد الرحمن" (حطبة) مدير الإدارة العامة للمرور خلال اتصاله الثاني بي أمس وهو يحاول توضيح الجهود المبذولة من جانبهم لضمان حركة مرورية سليمة بدون حوادث.. اللواء (حطبة) أكد اهتمامهم برجل المرور الذي يبذل جهداً كبيراً في ظروف عمل أقل ما يقال عنها إنها قاسية.. أحزن كثيراً عندما ينتهي ذلك البطل من عمله وربما في وقت متأخر من الليل وهو يقف ينتظر أصحاب السيارات الخاصة ليساعده للوصول إلى بيته بعد يوم طويل ومنهك.. تحية وألف تحية لرجال المرور. • آخر الكلام: هل تصلح الإعلانات المدفوعة ما أفسدته يد التبذير والإسراف؟!