من المفارقات المثيرة للدهشة حسبما نُشِر بتقرير المراجع العام في صحف الخرطوم أمس الأول، هو رصده المراجع لتجاوزات دستوريين استغلوا نفوذهم، واصطحبوا زوجاتهم إلى الحج هذا العام، بصورة تعطي مؤشراً خطيراً، وتغييراً ربما في نمط استغلال النفوذ القديم مثل الواسطة والمحسوبية، لتمتد دون حياء فيما يبدو لتطال حتى الشعائر. فقد كشف تقرير المراجع العام عن تجاوزات من دستوريين بينهم وزراء وولاة ومعتمدون وأعضاء مجلس وطني وموظفون اصطحب بعضهم زوجاتهم واستغلوا امتيازات الحج والسكن والإعاشة، وأزاح تقرير المراجع العام الستار عن وجود دستوريين آخرين سافروا على نفقتهم الخاصة لكنهم استفادوا من امتيازات بعثة الحج السودانية وتسلّموا شيكات المبالغ المخصصة لإعاشة الحجاج. إيراد اصطحاب دستوريين لزوجاتهم وأقاربهم في قائمة استغلال النفوذ يعني بالضرورة أن هذا ليس من حقهم، بل تغولٌ غير دستوري من دستوريين يفترض أن يقدموا القدوة والمثال الناصع في كبح جماح التجاوزات، لا أن يقدموا مزيداً منها في الواقع. كان على الدستوريين المتجاوزين - إذا كانوا لا محالة فاعلين - أن يتجاوزا بعيداً عن شعيرة لها قدسيتها وتعد الركن الخامس في الإسلام. ورغم أن كل أنواع الفساد واستغلال النفوذ منتنة، إلاّ أنّ ذلك كان سيكون أخف وطأةً إذا اصطحب أولئك الدستوريون الذين تحدث عنهم تقرير المراجع العام أقاربهم لتقضية الإجازة معهم، والإستمتاع بأجواء سياحية خارج البلاد. لكن الدستوريين الذين اصطحبوا زوجاتهم وبعض أقاربهم فضّلوا السياحة الدينية دون أن يهجسوا أنفسهم بأسئلة القبول لهذا العمل الذي ينبغي أن يكون خالصاً لوجه الله الذي ربطه بالاستطاعة. المخيف في الأمر هو، إذا كان الدستوريون يستغلون نفوذهم ويستغلون الخطوط الحمراء حتى في السفر لأداء فريضة الحج، فما الذي يمكن أن يفعلوه إذاً إذا كان السفر لغير الأراضي المقدسة من الدول التي يستمتع فيها الدستوريون عَادةً بقضاء إجازاتهم. بينما المواطنون يعانون أوضاعاً تستوجب إحساساً عالياً بها من الدستوريين حتى يقدموا لها ما تتطلّب من حلول. بالطبع، ليس من الإنصاف وضع كل الدستوريين في سلة واحدة، فالحديث هنا عن بعضهم، وهم قلة قياساً بدستوريين آخرين يتعاطون بمنتهى النزاهة مع المال العام، وَيُقدِّمون أمثلة ناصعة في نظافة اليد خوفاً من الله، بينما لا يخاف آخرون من الله حتى وهم مُتوجهون إلى بيته الحرام. من الآخر، يحكى أن أحدهم إختلس تفاحة من أحد البائعين الجائلين، ثم بعد فترة جاء سائل فأعطاه إياه. فأثار هذا الأمر إستغراب رجل رأه وهو يختلس ثم يتصدق بذات التفاحة التي إختلسها. فقال له لماذا فعلت ذلك؟، فما كان من سارق التفاحة المُتصدق بها إلاّ أن قال: (أما علمت أني عندما سرقت التفاحة كتبت عليّ سيئة، وعندما تصدقت بها كتبت لى عشر حسنات؟)، فكان الرد عليه مفحماً: (أما علمت أنك عندما أخذت التفاحة وهي ليس لك كتبت عليك سيئة، وعندما تصدقت بها لم تُقبل منك).. والدستوري بالإشارة يفهم.