لم أكن أعلم بأن يومي سينتهي بتلك النهاية التعيسة.. صحوت باكراً وأجريت التمام على «عدة الشاي» التي أسرح بها في دنيا الأرزاق القاسية.. قاسية ليست لأنها قسمة عدل ولكن لأن الأجواء المحيطة بمجلس الظل الذي أعمد إليه يجابه اللا قويم والقويم.. الأخلاقي واللا أخلاقي.. فعندما تخرجت في المدرسة الثانوية لم يكن لي ظهر أسند عليه وسائطي، فلست من سكان البناء الثابت.. فالراكوبة التي ارتهن عليها تفاصيل يومياتنا على أطراف تلك المدرسة التي كان يوماً «أبونا» خفيراً بها وظللنا نستجدي المحلية لتبقي على وحدة نسيج أسرتنا بها.. تحت ظلال رقراق الراكوبة وشجرة النيم العتيقة.. لم أحاول أن أبحث عن وظيفة مرموقة.. كما أنني لست بذلك الجمال الذي يهون ويسهل المداخل لدنيا الوظائف.. «حاجة حواء» أمي المريضة لم تكن تحتمل حتى صناعة التسالي على صاج الكسرة المرابط في الركن القصي، فقد نهش «التيبي» جسدها المتضائل.. لم يكن أمامي إلا مهنة البسيطات المغبرات.. «ست شاي متعلمة».. ولكني لم استحِ من أن ينظر إليّ العابرون برمقة امتهان أو ظنون.. فالإنسان بقيمته الإنسانية وسلوكه وليس بمسمى ما يقوم به أو بشكله.. في ذلك اليوم حملت (عدتي) وقصدت (ظلي) الظليل.. أوقدت النار وجمرات القهوة وتوافد «الكييفة» من كل صوب وحدب.. وبدأت النقاشات والونسات بين شاربي الشاي والقهوة، ودب الحوار ما بين جماعة (فلان) السياسية وجماعة (علان).. رويداً رويداً أنحصر النقاش بين (زيد) و(عبيد).. ارتفعت درجة حرارة الكلام ووصل ذروته وتعطلت لغة التفاهم وخاطبت لغة القوة طابع الحوار.. واستعرض (زيد) عضلاته وفصاحة لسانه.. وفي كسر من ثانية الزمن غرس (عبيد) سكينته في مواطن القتل والغدر.. فارتمى (زيد) جثة هامدة ما بين «كفتيرة الشاي» و«شرقرق القهوة».. ولأن النخوة ما زالت عند البعض موجودة، تدافع هؤلاء لنجدة الموقف وحمل القتيل إلى أقرب مستشفى وتوالت سلسلة سيناريو غير مألوفة في ذلك اليوم دخلت بموجبها قسم الشرطة وكنت على يقين تام وبحكم امتهان (بيع الشاي)، أنني سوف أزور مقام الشرطة الثابت ولكنني لم أكن أتوقعه بهذه السرعة وبهذه الجناية الكبيرة.. رغم أنني بريئة كل البراءة ولكني على يقين أن عياراً أصاب قدرتي على احتمال مآلات ذلك الظل الوارف.. ولعل في تغيير المكان والظل ومحدودية «الكييفة» ملاذ من تداعيات الأحداث المزعجة.. فأنا مازلت أسيرة ذلك اليوم وتلك المسافة ما بين «الكفتيرة والشرقرق».. وتلك الدماء التي انسكبت.. وما أن يبدأ «كييفتي الجدد» في توارد الأحاديث والكلمات إلا ويبدأ قلبي في جر شريط حدث قتل زيد أمامي فيما بين القهوة والشاي.. وتتحفز أقوالي لمخافر الشرطة. آخرالكلام: ظللت كل ما أتى صباح أستشعر الخطر، خاصة وأن المدعوة الانتخابات على الأبواب، وكلما تحدثوا عن المواعيد المضروبة تحسست «الشرقرق والكفتيرة». سياج - آخر لحظة - 1312 [email protected]