في خطوة مهمة نحو إرساء دعائم الاستقرار السياسي دخلت تونس أمس السبت مرحلة إجازة مواد الدستور الجديد التي تتواصل حتى الحادي عشر من الشهر الجاري، والدستور الجديد هو ثاني دستور للجمهورية التونسية بعد دستور سنة 1959 الذي شهد الكثير من التعديلات. مشروع الدستور الجديد بنظر المراقبين يحتوي مجموعة من العناصر الإيجابية التي من شأنها بناء نظام ديمقراطي يمنع الاستبداد وحكم الحزب الواحد؛ إذ تنص فصول الدستور على الفصل بين الحزب والدولة ومدنية الدولة، وتحدد الولايات الرئاسية بدورتين فقط. وتنص على المساواة بين المرأة والرجل. وأمس السبت صادق البرلمان التونسي على الفصول الخمسة الأولى من الدستور الجديد ورفض في الوقت نفسه مقترحات بتضمين الدستور نصا يعتبر الإسلام "المصدر الأساسي" للتشريع. ومن أصل 149 نائبا شاركوا في عملية الاقتراع صوت 146 بنعم على الفصل الأول من الدستور. ويقول هذا الفصل إن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها. لا يجوز تعديل هذا الفصل". الدستور الجديد يأتي بعد مرحلة من الاحتقان السياسي في تونس أوشكت معها البلاد على الانزلاق في مواجهات على غرار ما حدث في مصر بين حزب النهضة الإسلايمة الحاكم وأحزاب المعارضة العلمانية، ويأمل التوانسة في دستورهم الجديد أن يؤسس لمرحلة ما بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس ابن علي حيث يقلص الدستور الجديد من صلاحيات رئيس الجمهورية لحساب رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، بما يمكّن تونس من نظام مزدوج رئاسي برلماني، وهو ما سيقطع طريق طموحات الاستبداد أمام أي ديكتاتور آتٍ. وينص مشروع الدستور الذي بدأت مناقشته أمس على إحداث محكمة دستورية تراقب دستورية القوانين، فضلاً عن حياد الإدارة والمساجد وحرية الإعلام واستقلالية القضاء. مناقشات الدستور الجديد كشفت عن مواجهات بين الإسلاميين والقوى الديمقراطية التي تحفظت على النص في الدستور على أن الإسلام هو مصدر التشريع وهو ما اعتبرته القوى الديمقراطية تراجعا عن مدنية الدولة، ولكن حزب النهضة الإسلامية صاحب العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان آثر الاستجابة لهذا المطلب لتجنب المزيد من الشقاق الذي عطل الحياة السياسية في تونس لعدة أشهر رغم احتجاحات باقي الأحزاب السلفية الإسلامية التي اتهمت النهضة بالتخلي عن المشروع الإسلامي. ولم يخل الدستور الجديد من اعتراضات حيث أعلنت "جمعية القضاة التونسيين"، وهي الهيكل النقابي الأكثر تمثيلا للقضاة في تونس، في بيان أن الفصل 112 لا يضمن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية ويكرس خضوع النيابة العمومية للسلطة التنفيذية. إنجاز أعمال الدستور الجديد من قبل البرلمان وفي السقف الزمني المحدد يشكل المخرج الآمن للأزمة السياسية في تونس التي أدخلت البلاد في نفق مظلم العالم الآن : صحيفة اليوم التالي