(545) معتوهاً يتجولون بشوارع الخرطوم.. هذه هي حصيلة أعداد المجانين في العاصمة القومية بتصريح رسمي من مديرة الرعاية الاجتماعية. تلك الحصيلة والأرقام التي دفعت بوتيرة القلق إلى أعلى مستوياتها وأصابت الكثيرين بالحيرة والدهشة والخوف. وجولة واحدة اليوم في السوق العربي - (رد الله غربته) - كافية لأن تكتشف عزيزي القارئ أن الموضوع بالفعل أصبح (خطيراً)، وأن المثل السائد قديماً أن المجنون في ذمة العاقل، بات يتحول تدريجياً ليصبح (العاقل في ذمة المجنون)، بينما الجهات المنوط بها الاهتمام بهذا الأمر بعيدة كل البعد عن الغوص في أعماق المشكلة وانتشال الحلول الحقيقية التي تسهم في رتق نسيج المشكلة المتهتك عبر السنوات. وقصة قديمة لرئيس إحدى الدول الأفريقية الفقيرة تطل برأسها ها هنا، ومفادها أن وفداً من كبار رؤساء العالم قرر أن يزور بلاده، فانتابته حالة من الرعب والقلق، خاصةً أن نصف شعبه أصيب بحالة من (اللوثة العقلية الحادة)، بسبب الغلاء الطاحن الذي ضرب بلاده وأحالها إلى بلاد جدباء لا تسرّ (المستثمرين)، وفي سبيل إيجاد أي حل لتلك الأزمة قام ذلك الرئيس باللجوء إلى وزير ضمن حاشيته امتاز بالخبث والدهاء فأخطره بالمشكلة، فابتسم الوزير بسخرية قبل أن يتكفل بالموضوع ويخطره بأن يضع في بطنه (شوال بطيخ صيفي)، وقد كان. وصل الوفد العالي المستوى، وقام بجولة واسعة في البلاد، قبل أن يحزم حقائبه ويغادر وهو (مبسوط أربعة وعشرين قيراط)، وذلك بعد أن أخطرهم ذلك الوزير أن كل الشعب يعيش في حالة من الرفاهية والرخاء والراحة، (وذلك ضمن إجابتهم لهم عن سؤال.. وهو الشعب بتاعكم دا بيضحك براهو مالو؟). نعود لواقعنا.. ولبلادنا.. ونكرر أسئلة أخرى، لكن بطريقة مختلفة وفي مقدمتها سؤال جوهري للغاية وهو: لماذا لا يتم عقد ورش متخصصة لدراسة أسباب ازدياد ظاهرة الجنون في البلاد؟.. ولماذا لا توجد آلية تضمن لأولئك المجانين حياة كريمة بعيداً عن التهام الأوساخ من مكب النفايات والنوم في الشارع العام؟.. ولماذا لا توجد آلية أخرى لفصل هؤلاء المجانين عن بقية الشعب (النصيح)، على الأقل لضمان سلامة هؤلاء، فالمجنون غير مؤاخذ، وغير مسؤول عن أي تصرف قد يبدر منه وتلك هي الكارثة الأكبر. جدعة: على كل الجهات المسؤولة والمنوط بها ترقية العاصمة القومية أن تدرك أن (زراعة الشتول) في الشارع و(تركيب الأشجار الاصطناعية) هنا وهناك، لن تسهم في جعل العاصمة واجهة حسناء للبلاد، فهنالك أساسيات ينبغي أن تعالج في البداية قبيل (شتل الزهور) وفي مقدمتها (علاج الشارع العام) من الكثير من الظواهر السالبة والخطيرة وفي مقدمتها الجلوس بهدوء وبضمير حقيقي لوجود علاج لمشكلة انتشار المجانين في العاصمة. شربكة أخيرة: قديماً غنى الكحلاوي (قالوا علي شقي ومجنون).. ولو كان حياً إلى زماننا هذا وشاهد هذه الإحصائية الأخيرة لما تردد في تغيير الأغنية بما يضمن له استيعاب الكثير من (المجانين) ضمن قوافيها. الشربكا يحلها - احمد دندش صحيفة السوداني