لست ممن فاجأهم مصطلح (الله كتلا) من أمثال زميلنا عادل الباز الذي لم يسمع به مجرد سماع ، الا غداة نشر التحقيق الاستقصائي المميز الذي أنجزته الصحافية أسماء ميكائيل ونشرته الغراء ( التيار) قبل يومين ،فأنا أعرفه منذ حداثة سني بل وأعرف أن البعض لظروف الفقر المدقع التي يعجزون معها حتى لتوفير وجبة ( كسرة بموية) أو (عصيدة باشنقو جافة) يقتاتون ويعيشون على هذه ال(الله كتلا) ليبقوا على قيد الحياة، وللذين لا يعرفون هذا المصطلح فانه ببساطة يعني الميتة أو الفطيسة، ولكن ليس كل ميتة أو فطيسة وانما تحديدا تلك الحيوانات والطيور التي يحل أكلها بعد ذبحها على الطريقة الاسلامية المعروفة، ويبدو أن اطلاقهم مسمى (الله كتلا) على هذه الحيوانات النافقة هو محاولة من اكليها لاقناع أنفسهم بجواز أكلها وبأنها حلال بحجة أن الله هو من قتلها وليس سبع أو ضبع، وبهذه المناسبة تحضرني عبارة الامام الصادق المهدي (مبارك استعجل فأكل الفطيسة ولم ينتظر الذبيحة) التي هاجم بها (البلدوزر) مبارك الفاضل عندما فرز عيشته من حزب الأمة والتحق بالسلطة في منصب مساعد الرئيس،ولكن اذا بتقلبات المناخ السياسي السوداني وأحواله المحيرة التي لا تكاد تستقرعلى حال الا وتنقلب الى ضده بعد هنيهة زمان، تكشف أن مبارك لم يهنأ حتى بأكل الفطيسة ، اذ سرعان ما خرج من القصر مغاضبا ومغضوبا عليه فحسب ، بل وجعلت الاخرين يردون للمهدي الكبير عبارته متهكمين (اذا كان مبارك قد أكل الفطيسة من قبل، فماذا أكل ابنك عبدالرحمن الذي يشغل الان ذات المنصب الرئاسي الذي شغله من قبله عمه مبارك)...وعلى كل حال يبقى ما أوردناه عاليه أحد المدلولات والوجوه المؤسفة التي تستبطنها عبارة (الله كتلا) وهي قضية الفقراء والفقر المدقع الملجئ الى أكل الفطيسة اضطرارا،اذ لا يعقل أن يركل شخص مائدة ممدودة أمامه عامرة بشرائح البيتزا وأصابع الهوت دوق، ويذهب الى أقرب كوشة فيجر من بين ركامها فطيسة ليستلذ بالتهامها،فهؤلاء الذين يكابدون ضنك الحياة وبؤس الحال حين يعتاشون على (الله كتلا) فانهم يعرفون سلفا أنها فطيسة وان لم يأكلوها سيفطسون... المشكلة الأخرى التي تستبطنها العبارة وتطال اخرين من غيرالعالمين ببواطنها مثل عزيزنا الباز، الذين قد يكونون طعموا من (الله كتلا) واستمتعوا بها دون أن يعلموا أنهم تغدوا أو تعشوا بفطيس، فيكشف عنها خبر الأمس الذي كشف عن ضبط الشرطة لكميات مهولة من الدجاج النافق والمريض،منها ما تم طهيه وأصبح جاهزا للتوزيع على منافذ البيع،ومنها (800)أخرى معدة للطهي، هذا غير الكميات الأخرى الكبيرة من الفراخ النافق التي تتسرب غفلة الى أرقى البقالات والمولات،نتيجة لضعف الرقابة الصحية والبيطرية من جهة، وعدم احكام عملية الفرز عند الذبح مابين الفراخ الحي وذاك الذي نفق بسبب التدافع، فيختلط حابل الحي بنابل النافق ويذهب الكل الى بطن المستهلك المسكين، بحسب افادة اختصاصية بيطرية كانت (شاهد شاف كل حاجة)،والشاهد هنا أن القضية ذات شقين،شق يتعلق بارتفاع مستوى الفقر كما ونوعا،بينما يتصل الشق الاخر بانخفاض وتدني مستوى الرقابة الصحية والادارية... بشفافية - صحيفة التغيير حيدر المكاشفي