عندما كنا طلابا في الجامعات المصرية في سبعينيات القرن الماضي، وانشق بعض الأخوان المسلمين السودانيين بعد المصالحة الوطنية، احتمي المنشقون بصدر التنظيم الأم في مصر، ووجدوا عنده الدعم والسند بكافة أشكاله وألوانه، واختار بعض أخوان السودان السكن والإقامة في مصر. وكان الإقتصادي الأخواني المصري يوسف كمال أكثر من يرعاهم ويدعمهم. فسعوا إلي الإستفادة من المنابر الدعوية الأخوانية المصرية للنيل من شيخ الحركة في السودان الدكتور حسن الترابي، بزعم أن له إجتهادات شاطحة، فذهبوا إلي الشيخ عبدالحميد كشك يعرضون عليه بعض أقوال الشيخ التي يتحفظون عليها، وقبل أن يكملوا حديثهم قال لهم الشيخ كشك، (دكتور الترابي رجل فقيه، وأنا داعية، ولا يجوز لمثلي أن يفتي في إجتهادات فقيه مثل الترابي) فتركوه وذهبوا منه إلى الشيخ محمد الغزالي، وقالوا له ذات ما قالوا للشيخ كشك، فرد عليهم الشيخ الغزالي بطريقته المألوفة، (دكتور حسن تقرأه الأجيال القادمة) ثم ألف الشيخ الغزالي كتابين، (دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين) و (السنة النبوية بين أهل الفقه،وأهل الحديث) وناقش فيهما كثيراً مما أثاره المعترضون علي آراء الدكتور الترابي، وناصرها ونصره، وزاد عليه، وسخر من الذين يناهضون أفكاره. فلما قرأت بعض ما حصره تلاميذ الشيخ الترابي مما كتب بعد وفاته، وأخرجوه في كتاب أسموه (حسن الترابي.. توقيعات علي كتاب الرحيل) عادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام الخالية، وإلى ما أشار إليه رموز وقادة الفكر والدعوة الإسلامية من تفرد في أفكار شيخنا، بدأ لهم وغاب عنا، ونحن الأقرب إليه، والأجدر بمعرفة فضله وتميزه. وذات الشئ حدث الآن، فإن أعمق ما كتب عن الشيخ سطره رجال لم يكونوا قريبين منه، وآخرون شباب لم يدركوه. وتشهد قاعة الصداقة بالخرطوم الساعة السابعة مساء السبت المقبل السابع من يناير حدثاً يظل خالداً أبد الدهر بإذن الله تعالى، حيث يحتشد فى ذاك اليوم، وفى هذا المكان في ملتقي النيلين قبالة جزيرة توتي، حيث الصخرة التي التقي فيها سيدنا موسي نبي الله الخضر عليهما السلام، ليعملوا الفكر فيما رصده المريدون الترابيون من شهادات في حق شيخنا الراحل المقيم، وإشارات لبعض نتاج هذه العبقرية الفذة، مما كشف الله لنا حجبه. واختار هؤلاء الخارجون لرسالة التخليد عنواناً لندوتهم الفكرية، (حسن الترابي… الأثر الباقي) وهو عنوان لمقال كتبه الدكتور محمد مختار الشنقيطي، بعد رحيل شيخنا وشيخه الذي كتب عنه قبل ذلك، دون أن يراه. ويحضر الدكتور الشنقيطي الندوة ويتحدث فيها مع آخرين، منهم الدكتور أسامة الأشقر، وخديجة كرار، وعبدالله علي إبراهيم، وفتح العليم عبدالحي، وعمر الفاروق قمرمقاز، والمحبوب عبدالسلام. بقلم